تناقلت وسائل الإعلام العربية والعالمية باهتمام بالغ نهاية الأسبوع الماضي، المواجهة التي وقعت في مدينة إربد الواقعة في شمال المملكة الأردنية، بين الأجهزة الأمنية الأردنية وتنظيم «داعش»، وأدت إلى مقتل سبعة واعتقال 13 من أعضاء التنظيم، وخسر الجانب الأردني ضابطاً وخمسة جرحى، وقد جنّبت العملية الناجحة ضد خلية «داعش»، البلاد من عمليات إرهابية كان تنظيم «داعش» يخطط للقيام بها مستهدفاً مراكز حيوية اقتصادية وأمنية وعسكرية.
ومبعث هذا الاهتمام ينطلق من نقطتين، الأولى، الخشية من تحول الأردن إلى ساحة حرب جديدة تؤدي إلى انتشار المتطرفين في مدنه وقراه، والثانية، قرب الأردن من الحدود الفلسطينية، وهو ما يمكن أن ينتج عنه تداعيات كثيرة يعيد خلط الأوراق الحدودية والسياسية من جديد.
وفي الواقع، ما حدث في إربد ليس مستهجناً، فالأيام والشهور التي سبقت المعركة التي استمرت ثماني ساعات كانت مليئة بالأحداث والتهديدات واستعراضات القوة والوجود لأتباع المتطرفين.
وفي هذا السياق نتذكر مقالة كتبها الباحث والمحلل السياسي الأردني عريب الرنتاوي بتاريخ 11 يونيو 2014، فبعد أن استعرض سيطرة «داعش» على نصف العراق الغربي، وتمكن التنظيم من احتلال ثاني أكبر المدن العراقية والسيطرة على كميات كبيرة من الأسلحة، وبعد أن استعرض وجود التنظيم في سوريا قال: (أما نحن في الأردن، فلم نعد نمتلك ترف الانتظار والمراقبة، فالخطر يقترب من غرف نومنا، وهو يأخذ شكلاً استراتيجياً الآن، بعد أن تجاوز حدود التهديد الأمني لخلايا ومجاميع، لسنا نمتلك ترف استرضاء أي جهة إقليمية أو دولية أو مسايرة حساباتها وأولوياتها، وأحسب أنه بات يتعين علينا التفكير من «خارج الصندوق، وتجاوز الاعتبارات والحسابات التي دفعتنا لإدارة «دبلوماسية في حقل الألغام» كما وصفناه..)، واقترح الرنتاوي (النظر في إمكانية رفع وتائر التنسيق والتعاون، مع نظامي بغداد ودمشق، لتطويق هذا المد الزاحف لقوى التطرف والإرهاب، وعدم انتظار الترياق ليأتي من «المعارضة المعتدلة» في سوريا، أو من «المكوّن السني» في العراق..).
ولم تكد تمر عشرة أيام على مقالة الرنتاوي، وبالتحديد في 20 يونيو حزيران 2014، حتى انطلقت مسيرة في مدينة معان، (وتبعد عن العاصمة الأردنية عمّان 216 كلم، وتعد المعقل الرئيسي لأتباع التيار السلفي الجهادي في الأردن). ورفعت أعلام «داعش» ويافطات عديدة من بينها يافطة كُتب عليها (جمعة نصرة الدولة الإسلامية في العراق والشام، معان فلّوجة الأردن تنصر دولة الإسلام..).
وفي الخامس عشر من يونيو من العام الماضي وقعت اشتباكات بين مسلحين والقوى الأمنية في مدينة معان، واشتكى عدد من الشخصيات ومنهم برلماني سابق من حالة التكتم التي تمارسها السلطات على ما يجري في مدينة معان، وتعاملها مع المسلحين، الذي يوصفون بالمطلوبين الأمنيين.
وبغض النظر عن التحليلات التي صدرت بشأن المسيرة، من أنها تعكس انشقاقات داخل التيار السلفي في المدينة، إلا أنها كانت مؤشراً على تنامي التطرف في المدينة، وتفعيلاً لرموز أنصار «داعش» فيها، خاصة وأن مقاتلين من المدينة يحاربون في صفوف المسلحين في سوريا ضد نظام بشار الأسد، ويمكن الاستدلال من خلال خبر (مقتل ثلاثة أشخاص أردنيين من مدينة معان في مواجهات مع الجيش السوري النظامي في مدينتي حلب ودرعا، وأهاليهم يتلقون التهاني ويوزعون الكنافة على المهنئين)، لندرك واقع الحال هناك، ناهيك عن الاشتباكات المسلحة التي تقع بين فترة وأخرى بين مسلحين وقوى الأمن الأردني، ويسقط فيها ضحايا. أما من الناحية الاقتصادية، فالمدينة تعاني فقراً شديداً، وتتعالى فيها دائماً أصوات تطالب بالتنمية وضبط الأمن ومحاربة الفقر.
المملكة الأردنية بالمجمل، استطاعت الصمود في وجه ما يدور حولها من أحداث مؤلمة وخطيرة، وصمدت في وجه العواصف القادمة من العراق وسوريا، واحتوت التوترات في المنطقة بدبلوماسية عالية، وحنكة سياسية لافتة.
الآن، وكما قال المحلل عريب الرنتاوي: (لم نعد نمتلك ترف الانتظار والمراقبة، فالخطر يقترب من غرف نومنا)، وما حدث في مدينة إربد قبل خمسة أيام، ما هو إلا نموذج لتواجد «داعش»، فالمقبوض عليهم 13 «داعشياً»، والقتلة 7 «داعشيين»، فهل يعقل أن الوجود ال«داعشي» في الأردن يقتصر على 20 عنصراً في إربد؟ وماذا عن المدن والقرى الأخرى؟ خاصة أن التيار السلفي يعمل بشكل صريح في الأردن، وهو أحد المكونات الرئيسية الفاعلة في الشارع الأردني، ما يعني أنه على جاهزية تامة، إذا ما اقتضت الضرورة، الكشف عن (وجهه العسكري)، والظهور العلني، كما حدث في سوريا والعراق وليبيا وغيرها.
لا توجد خيارات كثيرة أمام المملكة الأردنية، فإما أن تؤجل التحرّك، وإما أن تأخذ زمام المبادرة، وهذا يطرح أسئلة كثيرة وتحديات أكثر وتساؤلات جوهرية:
أولا، إن الأردن هو ضمن التحالف الدولي لمحاربة «داعش»، وقد خسر طياراً خلال العام الماضي كان يقوم بقصف مواقع «داعش»، وسقط أسيراً ثم اشعلوا فيه النار، وفق مقاطع الفيديو التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي.
ثانياً، والسؤال الأخطر: هل ستنتقل المملكة إلى الخطوة الثانية في حركة وقائية تفتح من خلالها حرباً مباشرة ضد تنظيم «داعش» والنصرة في سوريا، أم إنها ستبقى تراقب ما يحدث على الجبهات. وفي نفس الوقت تكون عرضة لعمليات مشابهة لما حدث في مدينة إربد الأسبوع الماضي؟
وبعيداً عن الانفعال، يبدو أن سياسة المملكة ستتواصل كما هي، ولن تدخل حرباً بريةً ضد «داعش» أو النصرة، لكنها ستشدد قبضتها على الحدود السورية الأردنية، وستضاعف عملياتها الاستخبارية، وقد تطال المجموعات الإسلامية المتطرفة وخاصة السلفيين. وستقوم بهذا الفعل وهي تعلم أن هؤلاء قد يخرجون إلى الشارع ويتظاهرون، وستعمل على ضبط الأعصاب، لأن المواجهة العسكرية مع هؤلاء ستدخل البلاد إلى دائرة العنف. ومن جهة أخرى، فإن المملكة تعلم أن المواجهة قادمة إذا فشلت مساعي الحلول السلمية في سوريا، ورغم ذلك، فإن الانتظار والترقب والمراقبة ستكون هي السياسة المتبعة، آملين ألا يخرج عريب الرنتاوي بعد فترة قليلة ويصرخ في وجوه الجميع: (ألم أقل لكم إن الخطر يقترب من غرف نومنا!).
43 3 دقائق