نون لايت

لمياء محمود:الحرب مع الارهاب يُدار بسلاح الإعلام

أكدت الخبيرة الإعلامية الدكتورة لمياء محمود  رئيسة شبكة إذاعة صوت العرب أن المنطقة تعيش حالة حرب ، وهى ليست حربًا عادية ، بل هى حرب وجود بالنسبة لكل الشعوب العربية ، وأيضًا الإسلامية ، ولا يوجد فيها أى استثناء ، وأن هذه الحرب تدار من كل أركانها ، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية باستخدام آلة الإعلام ، التى صارت من أنجح الأسلحة فى حروب العصر الحديث .

  • وأطلقت الخبيرة المصرية دعوة لجميع الدول العربية والاسلامية بضرورة تنسيق الجهود وأن تعد العدة للمواجهة بشكل جماعى ، تتكاتف فيه القوى المادية والبشرية والفكرية ،دفاعا عن الهوية وعن الماضى والحاضر والمستقبل ، مشيرة إلى ضرورة توحيد المصطلحات المستخدمة فى الخطاب الإعلامى الخاص بالإرهاب مع الالتفات إلى تقديم التغطيات الإعلامية للأحداث المتعلقة به بحيث تقدم بشكل مهنى يراعى التقاليد المهنية والمجتمعية.

و خلال تقديمها صباح اليوم  ورقة بحثية أمام مؤتمر رابطة الجامعات الإسلامية الذي استضافته جامعة أسيوط  أشارت الدكتورة لمياء محمود إلى أنه من الضروري والمهم الالتفات إلى مستحدثات العصر التي تضم الإعلام الفضائى والإعلام الإلكترونى ووسائط التواصل الاجتماعى بعد أن اصبحت هذه الوسائل باب سحريًا أو( شيطانيًا) لمعرفة العالم وهو ما أدى إلى حالة جديدة انقلبت فيها الموازين ، واختلطت الأوراق ، وتاهت الحقائق ، وشوهت الرسالة.

وافتتحت محمود ورقتها البحثية بقولها :   ربما تكون كلمة الإرهاب بحق، وليس على سبيل المجاز، هى الكلمة الأكثر ترددًا فى كل الأوساط البحثية والإعلامية ، وربما فى الحوارات العادية بين الناس . فقد طغت على السطح بشكل كبير فى السنوات الأخيرة ، حتى يمكننا أن نقول إننا نعيش موسم أو عصر الإرهاب . وصور الإرهاب متعددة ومتفاوتة ، تبدأ من التهديد بالكلمة ، وتصل إلى تنفيذ التهديد ، وإحداث التفجير والتدمير والقتل بأبشع الصور ، مرورًا بالكثير من الدرجات التى تصب كلها فى إحداث هذا النوع من الفزع والتوتر بين الناس والمؤسسات والدول ، حيث لا يصيب الإرهاب جزءًا من المجتمع ، بل تمتد آثاره إلى كل المحيط الذى يحدث فيه .

واستطردت قائلة : لا ننكر أن المنطقة العربية أصبحت ، منذ عام 2011 ،فى مرمى الإرهاب بشكل جماعى ،ربما لم يسبق له مثيل ، بهذه الدرجة والكثافة والقوة والعنف . فقد أوجدت حالة الثورات العربية التى اجتاحت عددًا من الدول العربية حالة من الفوضى ، فسرها البعض بأنها حالة طبيعية فى فترات التحول والثورات . لكن استمرار الحالة وتصاعد قوتها ، وتعدد مظاهرها ــــ التى وصلت إلى درجات عالية من الابتكار ــــ وبروز جماعات وتنظيمات تمارس العمل الإرهابى كما لو كان لعبة ترفيهية ، هو ما يجعلنا نتوقف لنجد تحليلًا وتفسيرًا لما نعيش فى ظله وفى إطاره .

وحول وسائل المواجهة أوضحت الخبيرة الإعلامية أهمية الإعلام فقالت : نحن نعيش عصرًا إعلاميًا متميزًا ، فقد وصل الإعلام لأعلى تأثير له ،ربما فى التاريخ ، حيث توفرت الوسائل المتعددة التى أصبحت تحاصر الإنسان فى كل لحظة ، وتتوافق مع اهتمامات كل فرد ، وتلبى احتياجاته ، فالشخص التقليدى له وسائله ، والشخص الذى تعامل مع الواقع الإلكترونى له وسائله ، وكل يوفر أحداث الدنيا كلها فى كل لحظة ، ولكن من أى وجهة نظر ، ولتحقيق أى هدف ؟ هذه هى القضية ، والفيصل فى الموضوع .

وأضافت : قد نجد موضوعًا ما مرتبطًا بحدث ، ينقل بالصوت والصورة ــــ وكلاهما لا يكذب ــــ ولكن التحليلات والتعليقات تأخذه من أقصى اليمين لأقصى اليسار ، وكل له مبرراته وتفسيراته التى تقنع المتلقى ، حسب درجة قناعته وتبنيه لفكر الجهة التى تبث له الموضوع ، واستعداده لاستيعاب هذا الرأى المبنى على فكر معين فى اتجاه معين ، وقناعته بالشخص الذى يرد التبرير على لسانه . كل ذلك أدى إلى وجود حالة جديدة امتزج فيها الواقع الحقيقى الذى نعيشه ، والواقع الافتراضى الذى يعيّشنا فيه الإعلام ، وبالتالى خلق درجات متفاوتة من الرضا وعدم الرضا عن كليهما ( الواقع الحقيقى والواقع الافتراضى ) .

وفي تفسير لهذا الواقع المعاش قالت محمود :  إن كل ذلك يحدث فى ظل وجود متلقين جدد فتح عليهم الإعلام الفضائى والإعلام الإلكترونى ووسائط التواصل الاجتماعى ــــ التى أصبحت تدخل فى عداد وسائل الإعلام ــــ بابًا سحريًا أو شيطانيًا لمعرفة العالم وما يحدث فيه ، فأحدث لديهم حالة من الانبهار أو الانجراف أو الرعب ، وجميعها يدخل فى إطار التأثير الهائل للإعلام على إنسان الزمن الحالى .

 ثم أوضحت قائلة : أنه وفى ظل تلاقى كل هذه المعطيات بدأنا ندخل فى منعطفات جديدة ، ربما لم تكن تخطر على بال علماء الإعلام الأوائل الذين عرّفوا ووصّفوا وتنبأوا بمستقبل الإعلام . فأصبح الإعلام الذى من المفترض أنه يُعلم ليزيد من امتلاك الفرد لأدوات معيشته ، ويجعله أكثر خبرة فى التعامل مع مجتمعه ، أصبح هو عامل القلق والتوتر الذى ربما يصل به إلى درجة الرعب . وأصبح الإعلام الذى من المفترض أنه يحذر الناس من المخاطر ، هو جالب هذه المخاطر لهم . وأصبح الإعلام الذى من المفترض أنه يطمئن الناس ، هو الوسيلة لإرهاب الناس . وأصبح حارس البوابة الإعلامية الذى بيده تحقيق رسالة الإعلام بدرجة من الفهم والمسئولية ، هو المشارك فى كل تلك الجرائم . وأصبح الإعلامى الذى كان دوره يتمثل فى الأخذ بيد مجتمعه للمعرفة والفهم ، هو أحد المشاركين فى نشر الإحباط والتشكيك والرعب بين أفراد مجتمعه ـــوالمجتمع هنا لم يعد الدولة الواحدة بل تعداه للعالم الذى يدرك اللغة التى يتحدث بها فانقلبت الموازين ، واختلطت الأوراق ، وتاهت الحقائق ، وشوهت الرسالة التى من المفترض أنها هادفة لتصبح هادمة . 

  وحول العلاج والحلول تساءلت الدكتورة لمياء محمود : هل مازال بأيدينا علاج ؟ هل يبقى الأمل ؟ هل يمكن أن نصلح المسار ؟ أسئلة مشروعة تطرح نفسها ، ولكن هل نمتلك الإرادة والقدرة على أن نفعل ذلك ؟ هذا هو الطرح الذى لابد من العمل عليه لإنقاذ كل شىء ، المجتمع ، والإنسان ، والمهنة .  

 وفي إجاباتها على تساؤلاتها قالت :  هناك عدد من الأدوار يجب أن تتلاقى لتحقيق هذا الإنقاذ ، وهذه الأدوار يجب أن تعيّها كل مؤسسات المجتمع ، بدءًا من الأسرة انتهاءًا بالدولة ذاتها . وتتلخص هذه الأدوار فى الآتى :

   أولًا : الدور التثقيفى : وهو دور وقائى يتطلب وقتًا من الزمن ، حيث يتضمن التوعية المجتمعية ، التى تعرّف الفرد بحقائق مجتمعه ، والأدوار المتعددة فيه ، ومن يقوم بها ، وكيفية تعامله معها . والمواجهة الفكرية ، حيث يواجه الفكر بالفكر والحجة بالحجة ، وهذا هو دور قادة الرأى فى المجتمع ، والمدارس والجامعات والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدنى ، وغيرها من الجهات المعنية وبالطبع يأتى الإعلام فى مقدمتها . ويعتبر هذا الدور ممتدًا متشعبًا تشارك فيه كل قطاعات المجتمع .

   ثانيًا : الدور المباشر : ويتمثل فى التغطيات الإعلامية للأحداث المتعلقة بالإرهاب بشكل مهنى يراعى التقاليد المهنية والمجتمعية . ولا ينكر أحد أن التغطية الإعلامية ــــ خاصة التليفزيونية ـــــ لجرائم تنظيم داعش الإرهابى ، واللهث وراء عرض هذه الجرائم بكثافة ــــ رغم قساوة المشاهد ـــــ أدى للمزيد من الترويج لهذا التنظيم لم يكن يصل إليه لو استخدم ــــ رغم امتلاكه لآلة متميزة جدًا ــــ أقوى آلة إعلامية فى الوجود ، حيث قامت كل وسائل الإعلام الرسمية التى تمتلكها الدول والخاصة والفردية بمشاركته فى مهمته . بمعنى أن الإعلام ساهم بشكل كبير فى الترويج لهذا التنظيم ، وبث الرعب فى النفوس منه ومن جرائمه ، مما أدى إلى التسليم له ولقوته .

   ثالثًا : الدور المستمر : ويستهدف بناء بيئة آمنة طاردة للفكر الإرهابى ، ويكون هذا الدور مرنًا يستوعب المستجدات التى تطرأ على الساحة العالمية ، وتصنف على أنها أعمال تتعلق بالإرهاب ، ويتكامل مع الدور التثقيفى فى المعالجة الشاملة لكل مناحى الحياة ، السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية والاجتماعية .

وفي استعراضها لسبل العلاج قالت : من المهم أن تشمل المعالجات الإعلامية العناصر التالية : أن تكون المعالجة الإعلامية شاملة لكل الوسائل الممكنة والمتاحة ، تقليدية تتمثل فى الصحف الورقية والمجلات والإذاعة الأثيرية والتليفزيون ، وإلكترونية تشمل المواقع الإلكترونية على تعدد أشكالها ، ووسائل التواصل الاجتماعى المتعددة التى تحقق للفرد مجتمعات افتراضية أصبح لها تأثير كبير فى إمداده بالمعرفة والأفكار والآراء . كما يجب أن يكون طرحها بكل الأساليب والأدوات الفنية الإعلامية ، وبمختلف المستويات اللغوية المستخدمة فى الخطاب الإعلامى .   

وأضافت : لا يصح أن يكون الجهد مقتصرًا على دولة واحدة ، بل يجب أن يكون الجهد تنسيقيًا عربيًا يتبنى القضايا التى تعنى العرب جميعًا ، وتتجاوز الأهداف والمصالح القطرية الضيقة ، فالهم لم يعد مقتصرًا على دولة بعينها ، حيث إن الخطر يداهم الجميع  مشيرة إلى أنه لابد من توحيد المصطلحات المستخدمة فى الخطاب الإعلامى الخاص بالإرهاب ، مع تكرار التعريف بكل مصطلح لتثبيت مدلوله لدى المتلقين ، وذلك لتجنب حدوث أى التفافات .

وحول أساليب المواجهة الداخلية قالت :لابد من بناء الخطاب الإعلامى الداخلى على أساس تعميق الانتماء الوطنى وإذكاء المشاعر القومية لدى المواطنين بصفة عامة ، والأطفال والشباب بصفة خاصة ، مع استخدام الشعارات ذات المدلول والجاذبية التى تعلق بالأذهان ، وتصاغ فى قوالب برامجية وصحفية متعددة ،مباشرة وغير مباشرة ، حتى تصل الرسالة بشكل واضح ومكثف ، مع ضرورة بناء خطاب إعلامى جديد يتعامل مع الخارج ، بلغاته المتعددة ، بشكل مختلف ، ويصل من خلال وسائل الإعلام الغربية المختلفة ذاتها باستخدام الصحف والقنوات والمواقع الإلكترونية الأجنبية .      

وشددت الباحثة على ضرورة إبراز سماحة الأديان السماوية فى التعامل مع القضايا الحياتية اليومية ، وإبراز نماذج من مواقف فى حياة الرسل والأنبياء والصحابة التى تعزز هذه السماحة وتؤكدها مع أهمية الاتجاه إلى  التركيز على المواجهة بالوسائل الإلكترونية الحديثة ، حيث إن هذه هى الأدوات التى يقبل الشباب على التعامل معها ، وتستخدم لاجتذابه وتسميم أفكاره وتقديم الدعوات له للانضمام لهذه الجماعات الإرهابية المتطرفة ، وللأسف حققت نجاحًا كبيرًا فى اجتذاب ليس الشباب العربى فقط ، بل الشباب من دول أوروبا أيضًا .

لمياء محمود 2

 

 

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى