شهد مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية وعلى مدى يومين (28 و29 فبراير/ شباط 2016) أعمال المؤتمر المشترك الثاني بين جامعة الدول العربية والمنتدى العربي النووي بمشاركة المجلس المصري للشؤون الخارجية الذي عقد تحت عنوان «الانعكاسات الأمنية الإقليمية للاتفاق النووي الإيراني مع «مجموعة دول 5+1»، الذي افتتح أعماله الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي بالمشاركة مع رئيس البرلمان العربي أحمد الجروان وكان فرصة مهمة لتدارس التحديات التي تواجه الأمن القومي العربي وبالذات من منظور علاقته بالنظام الإقليمي للشرق الأوسط، أي من منظور التحديات الإقليمية الشرق أوسطية للأمن القومي العربي، الأمر الذي فرض ضرورة التطرق إلى التحديات والتهديدات الإيرانية للأمن القومي العربي جنباً إلى جنب مع كل من التهديدات «الإسرائيلية» والأخرى التركية، مع إعطاء خصوصية للتهديدات النووية، وما تفرضه هذه التهديدات من مسؤوليات على العرب للبحث في الخيارات العربية النووية ومستقبل الشراكة النووية العربية.
وعلى الرغم من خصوصية قضايا هذا المؤتمر، وبالذات ما يتعلق بالتهديدات النووية الإقليمية للأمن العربي وعلى الأخص ما يمثله توقيع الاتفاق النووي الإيراني مع «مجموعة دول 5+1»فإن التورط الإيراني في قضايا وصراعات عربية ظل يمثل هاجساً على رؤى وتحليلات المشاركين في المؤتمر، بسبب تشابك وتداخل تلك التهديدات الإيرانية للأمن العربي بين ما هو نووي وما هو عسكري وأمني وسياسي ومذهبي.
فقد حظي الاتفاق النووي الإيراني مع القوى الدولية الكبرى بأولوية في الاهتمامات والتحليلات من منظورين: الأول، حول ما إذا كان هذا الاتفاق يحمل تهديدات ظاهرة أو مستترة للعرب ولأمنهم القومي. والثاني، حول القيود المحتملة التي يمكن أن يفرضها هذا الاتفاق على المشروعات النووية العربية المستقبلية سواء كانت مؤكدة أم محتملة. وهنا أسهب مسيمو أبورا رئيس فريق عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إيران حول «دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية في متابعة تنفيذ الاتفاق» ومداخلة الدكتور يسري أبو شادي كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية (السابق) أهمية كبيرة في تأكيد مجموعة من المفاهيم والرؤى.
من أبرز هذه المفاهيم أن البرنامج النووي الإيراني لم يعد يمثل تهديداً نووياً للأمن العربي حيث أُخضعت -بموجب الاتفاق- المرافق النووية الإيرانية جميعها للتفتيش من جانب خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية حتى عام 2040، والتزمت إيران بألا تتعدى نسبة تخصيب اليورانيوم في مفاعلاتها 3,7% وتخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي تخفيضاً كبيراً، والالتزام بعدم إنتاج البلوتونيوم والماء الثقيل، في مقابل رفع العقوبات تدريجياً ضمن قيود وشروط صعبة، أبرزها عودة العقوبات بقرار من مجلس الأمن دون تمكين أية دولة من الدول دائمة العضوية في المجلس باستخدام حق الفيتو، لكن التهديد الإيراني للأمن العربي مازال وارداً في المجالين الأمني والسياسي على ضوء كيفية توظيف إيران واستخدامها لمواردها المالية الهائلة التي سوف تحصل عليها ضمن رفع العقوبات.
من بين هذه المفاهيم أيضاً أن الاتفاق النووي الإيراني بقيوده الهائلة يمكن أن يكون سابقة سيئة للدول العربية، فالمفاوضات التي جرت مع إيران والعقوبات التي فرضت عليها بسبب برنامجها النووي تتعارض من الناحية القانونية مع نصوص معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية التي وقعت إيران وصدقت عليها والتي تتيح للدول الموقعة حق امتلاك برنامج نووي سلمي، وهنا يبرز السؤال: هل بعد توقيع هذا الاتفاق يمكن أن تتعرض أية دولة عربية تريد امتلاك برنامج نووي للقيود ذاتها التي فرضت على إيران، بمعنى آخر، هل سيعتبر الاتفاق النووي مع إيران سابقة يمكن تطبيقها على الدول العربية، عندما تشرع في امتلاك برنامج نووي حتى لو كان ضمن قيود وضوابط معاهدة عدم الانتشار ومراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية؟
هناك أيضاً قيد آخر لا يقل أهمية وهو أن الاتفاق النووي مع إيران لم يشر من قريب أو من بعيد لا من جانب إيران ولا من جانب الدول الست المفاوضة معها إلى ضرورة إنشاء المنطقة الخالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.
لقد كثفت الولايات المتحدة جهودها الدبلوماسية لمد أجل المعاهدة إلى ما لا نهاية بالتنسيق مع الدول النووية الأخرى، وهو الاتجاه الذي قاومته الدول العربية في ظل استمرار تحديات منع الانتشار النووي وعدم تحقيق عالمية المعاهدة بعد مرور خمسة وعشرين عاماً منذ دخولها حيز التنفيذ عام 1970، بالإضافة إلى فشل جهود نزع السلاح النووي على المستوى العالمي، وعدم إنشاء المنطقة الخالية من الأسلحة النووية في منطقة الشرق الأوسط بسبب إصرار «إسرائيل» رفض الانضمام لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وسلبية الولايات المتحدة والمجتمع الدولي إزاء هذا الموقف «الإسرائيلي».
وحلاً لهذا الموقف أو المأزق وافقت الولايات المتحدة والدول النووية الكبرى في مؤتمر المراجعة عام 1995 على إقامة المنطقة الخالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط مقابل موافقة الدول العربية ودول حركة عدم الانحياز على قرار المد اللانهائي لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. وقد أُكِّد قرار إقامة تلك المنطقة في مؤتمر المراجعة الذي عقد عام 2000 ثم في المؤتمر الذي عقد في عام 2010 الذي استجاب للطلب العربي بعقد مؤتمر دولي لإقامة هذه المنطقة في نهاية ديسمبر 2012، وهو المؤتمر الذي كان من المقرر أن يعقد في هلسنكي لكن الولايات المتحدة أحبطت هذا المسعى استجابة للرفض «الإسرائيلي»، و أفشلت إصدار قرار من مؤتمر المراجعة الأخير في مايو 2015 كان يقضي بعقد هذا المؤتمر في أبريل/ مايو 2016. فقد فضلت الولايات المتحدة ألا يصدر بيان نهائي عن المؤتمر عن أن يصدر متضمناً الفقرة الخاصة بتجديد الدعوة للمؤتمر التي أصرت مصر عليها بدعم من دول عربية وأخرى من دول حركة عدم الانحياز من بينها إيران.
وهنا يجدر التساؤل لماذا جاء الاتفاق النووي الإيراني خالياً من الالتزام بإقامة المنطقة الخالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط؟ هل هذا التجاهل هو ثمنٌ دفعته إيران للفوز بالاتفاق؟ وهل مازال أمام العرب فرصةٌ لتجديد الدعوة لإقامة المنطقة هذه؟ هل هناك جدوى من ذلك في ظل الرفض الأمريكي – «الإسرائيلي» المطلق لهذه الدعوة؟ وهل هناك بدائل أخرى أمام العرب؟
أسئلة مهمة تفرض أولاً البحث عن البدائل وفي مقدمتها ضرورة السعي العربي لامتلاك برامج نووية سلمية شرط أن تتضمن امتلاك دورة الوقود النووي، وثانياً، تركيز الدعوة المستقبلية على نزع السلاح النووي الذي تمتلكه الدول النووية وهو الهدف الأساسي من المعاهدة التي ترتكز على ثلاثة أعمدة أولها، الدعوة لنزع السلاح النووي (عند الدول النووية)، وثانياً، منع الانتشار النووي، أي منع دول غير الدول النووية من امتلاك أسلحة نووية، وثالثاً، التعاون الدولي في مجالات إنتاج الطاقة النووية والبرامج السلمية للتعاون النووي. ومع ذلك فإن على العرب أيضاً الاستمرار في استخدام ورقة الدعوة إلى إقامة المنطقة الخالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط لأنها المدخل المناسب لمحاصرة القدرات النووية «الإسرائيلية»، ومطالبة «مجموعة دول 5+1» أن تجري مفاوضات مع «إسرائيل» حول قدراتها النووية على غرار ما فعلته مع إيران.