في جلسة مع مسؤول أمني قبل أسابيع أثرت الوضع الأمني، فقلت إن اللبنانيين حقّقوا منذ بداية “الربيع” السلمي في سوريا ثم بعد تعسكره إنجازاً تمثّل بعدم انتقال نار الحرب إلى ديارهم وخصوصاً بعد اتخاذها منحىً مذهبياً. واتفقنا على أن “التعقّل اللبناني” كان وراء الإنجاز المُختلِف الدوافع، وعلى وجود حرص دولي وتحديداً أميركي على عدم جعل الوضع اللبناني السيئ أسوأ، باعتبار أن تحسينه جذرياً من الصعوبة بمكان، وذلك كي لا يدفع لبنان ثمن حرب أهلية جديدة، وتالياً كي يبقى لاعباً وإن صغيراً يوم يجيء أوان الحلول والتسويات الاقليمية الكبرى، ولا يتحوّل جوائز ترضية لدول أقوى. وعندما سألت إذا كان الإنجاز الذي أشرت إليه أعلاه سيستمر، كان الجواب المبني على معطيات ومعلومات وتحليلات أنه سيستمر من دون أن يعني ذلك عدم حصول هزّات جرّاء تفجير من هنا أو اغتيال من هناك لا قدّر الله.
لكن بعد القرار القاسي في حق لبنان الذي اتخذته المملكة العربية السعودية، وهو حق سيادي لها بصرف النظر عن مبرراته التي يعترف بوجودها نصف اللبنانيين ويشكك فيها النصف الآخر منهم، عدت أسأل نفسي إذا كان الجواب الذي سمعته لا يزال صالحاً أم لا.
هل من جواب عن هذا التساؤل؟
الحقيقة أن هناك جوابين عنه متناقضان، ولكن ليس في صورة مطلقة. الأول، يقدّمه متابعون جدّيون وموضوعيون لأوضاع لبنان والمنطقة يشير إلى أن احتمالات الاشتباك الداخلي صارت واردة أكثر من قبل، أولاً لأن لبنان لا يستطيع بسبب انقسامه نصفين مختلفين على كل شيء، سواء بين “شعوبه” وأحزابه وتياراته السياسية أو داخل مؤسساته الرسمية المتنوّعة وفي مقدمها الحكومة ومجلس النواب، أن يتجاوب مع القرار السعودي، أي أن ينفّذ الاجراءات الداخلية التي ترضي الذين اتخذوه. وثانياً لأن التوتّر السياسي والاعلامي والشعبي بين النصفين المُشار إليهما ارتفع كثيراً بحيث صار عبارة عن شحن سياسي هو عملياً مذهبي لم يعد “الحوار الوطني” العقيم المستمِرّ منذ مدة غير قصيرة ولا الحوار بين العدوّين اللدودين “تيار المستقبل” و”حزب الله” وحلفائهما يفيدان في خفضه. ولعل أبرز المؤشرات على ذلك التظاهرات السيّارة التي حصلت في بيروت وضواحيها المسلمة والمسيحية، فضلاً عن قطع الطرق احتجاجاً على بثّ فضائية سعودية “فيديو” قصيراً ولكن ساخراً عن الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله. وثالثاً لأن القرار السعودي الذي تحوّل خليجياً في سرعة وقد يصبح عربياً في وقت غير بعيد إذا اجتمع وزراء الخارجية في جامعة الدول العربية للبحث في طريقة مواجهة الخطر القومي والمذهبي الإيراني على “الأمة العربية”، وتحديداً ذراعه العسكري اللبناني الأقوى “حزب الله”، وخصوصاً بعدما تحوّل قوة إقليمية عسكرية مهمة مهدِّدة لها على حدودها وفي سوريا ولبنان واليمن والعراق ودول الخليج العربية. وهذا أمر يجري البحث فيه جدياً. وقد تكون نتيجته استحداث لائحة إرهاب عربية ووضعه عليها. كما يجري البحث بين دوائر عربية وإقليمية أساسية ودوائر دولية كبرى في الانطلاق من الموقف العربي للمطالبة بعرض خطر “الحزب” المذكور على مجلس الأمن الدولي لاتخاذ القرار أو الموقف المناسب. طبعاً لا يعني الشق الأخير هذا أن تمرير أي من الأخيرين في المحفل الدولي الأرفع هذا أمر سهل، وعلى العكس من ذلك فإنه صعب إلى درجة الاستحالة ذلك أن روسيا ورغم تنسيقها الظرفي والموضعي مع أميركا لن تقبله في ظل استمرار الحرب في سوريا والمنطقة، وهي لا تزال طويلة وقد تتطوّر وربما تتوسَّع، ولأن الصين قد اتخذت الموقف نفسه. فضلاً عن أن أحداً لا يستطيع أن يعرف اذا كانت أميركا ستسهّله هي التي تخوض ولأول مرة حرباً مشتركة ضد الإرهاب (“داعش” و”النصرة” والتنظيمات الاسلامية المشتددة جداً) أطرافها، إضافة إليها، روسيا وإيران و”حزب الله” وأوروبا وغيرهم كثيرون. وطبعاً ليس التحالف ما يميّز علاقة أميركا وبعض هؤلاء بل العداء المزمن.
وإذا حصلت التطورات المشار إليها في ثالثاً فإن الاشتباك السياسي والإعلامي الذي سيحتدم في المنطقة لا بد أن يشمل لبنان، وخصوصاً إذا بدا أن “المملكة” ذاهبة إلى الآخر في تنفيذ قرارها الأخير ليس فقط باجراءاته المعلنة حتى الآن، ولكن بإجراءات أخرى قد تكون أقسى. ولا شيء يمنع تحوّله اشتباكاً أمنياً فعسكرياً وخصوصاً إذا كانت النية توريط “حزب الله” في قتال أهلي في لبنان، الأمر الذي يضطره إلى تخفيف تدخله في سوريا وإضعاف إيران إلى حد ما.
ما هو الجواب الثاني؟
40 3 minutes read