في حمأة المتغيرات المتصلة بموازين القوى العسكرية على الساحة السورية، أطلقت واشنطن وموسكو مشروع اتفاق وقف الأعمال العدائية، عبر نص مبهم، غاب عنه الكثير من المسائل والقضايا المتصلة بآليات التنفيذ الضرورية، ورغم ذلك يعتبر الإعلان عن الاتفاق إشارة أولى لبداية حل للأزمة السورية، ولو لم يبدُ قريب الأجل، لما تعتريه من عقبات حقيقية متعلقة بأساس المشكلة، وليست فقط في الآليات التنفيذية لمشروع الاتفاق.
بداية، يعبر المشروع عن اتفاق ثنائي أمريكي – روسي، يستبعد بصورة أو بأخرى، أطراف إقليمين فاعلين في الأزمة السورية، وهي إشارة واضحة، إلى أن الأزمة، باتت في عهدة دولية، وخرجت عن نطاق الفواعل الإقليمية لولوج مسارات تبدو متصلة أصلاً بإدارة الأزمة في هذه المرحلة، دون التمكن من ملامسة الحل المطلوب.
فالنص لم يشر مثلاً إلى إغلاق منافذ إيصال السلاح إلى الساحة السورية عبر تركيا، وهو إحدى الوسائل الأساسية لضبط العمليات العسكرية من الناحية اللوجستية، وهو أمر مرتبط أصلاً في مضمون الاتفاق والمتعلق بالمطلب الأمريكي لإيقاف العمليات الروسية السورية في بعض المناطق التي شهدت تحولات لافتة في الفترة السابقة، والتي تعتبرها موسكو إنجازاً يمكن البناء عليه في مراحل لاحقة، باعتباره أيضاً وسيلة تدحرجية، لقطف ثمار المعارك سياسياً، رغم الإشارات التي أطلقت بهذا الخصوص والتي اعتبرت عملية إيقاف الأعمال العدائية، سيكون موضعياً، ومتدحرجاً ومؤقتاً.
والبيان الذي يبدو هشاً وركيكاً، مرهون بمدى التفاهم الأمريكي والروسي ليس إلا، وعبر وسائل فضفاضة غير دقيقة كالتنسيق العسكري والأمني لتحديد مواقع الجماعات التي ستوجه إليها الضربات العسكرية، إضافة إلى بعض الجوانب القانونية.
والأغرب في هذا المجال استبعاد الأمم المتحدة كلياً عن آليات الرقابة لتنفيذ مشروع الاتفاق، وعن تحديد مسؤولية الطرف الذي يمكن أن يخرقه.
وحتى الآن ليس ثمة معايير موضوعية لتحديد من هو المعتدل والمتطرف لكي يستثنى من توجيه الضربات العسكرية تحت عنوان محاربة الإرهاب، وهنا يكفي لأي تنظيم القبول والالتزام بوقف العمليات العسكرية، أن يعتبر جزءاً من الاتفاق، وبالتالي إخراجه من تصنيف الجماعات الإرهابية، كما ورد في مقدمة الاتفاق.
فالتمييز والفصل بين ما هو معتدل ومتطرف، لا يزال موضع جدل، ولن يكون له حل سريع، كما أن قضية الحرب على الإرهاب وخريطتها ليست جاهزة، لأن موسكو وواشنطن ربما اتفقتا على أن العمليات العسكرية، بما فيها القصف الجوي، ستتواصل ضد تنظيم “داعش” وجبهة النصرة، لكن ليس واقعاً على الأرض، كما ليس قبيل الانتهاء من عمل مشترك روسي – أمريكي، بالإضافة إلى أطراف أخرى لم يذكرها الاتفاق، والذي يفضي إلى تحديد الأراضي الواقعة تحت سيطرة “داعش” والنصرة، والمنظمات الإرهابية التي سيحددها مجلس الأمن.
ما يعني أن مشكلة التداخل في الجبهات، بين المجموعات التي ستعلن تأييدها للاتفاق، وجبهة النصرة مثلاً، لا تزال غير محسومة.
ما يعني أيضاً، أن العمليات الروسية ستشمل كل من يقف مع جبهة النصرة، حيث تتداخل التحالفات والمواقع، وبالتالي، أنه لا وقف للعمليات العدائية بالنسبة للروس والجيش السوري.
وبقدر ما يكون مشروع الاتفاق مخرجاً لأي تدخل إضافي في العمليات الجارية وبخاصة للجانب التركي، يعتبر استجابة واضحة لتباينات الداخل الروسي حول أساس عاصفة السوخوي، ومداها الزمني وأكلافها الثقيلة في ظل العقوبات الاقتصادية الدولية على موسكو.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، فالتشاؤم الأمريكي بدا واضحاً، في تصريحات المسؤولين وبخاصة وزير الخارجية الذي حذر من تقسيم سوريا في حال طالت القضية، وإذ لم يتم الالتزام بمشروع الاتفاق.
أما في الجانب الروسي فقد وضع الرئيس فلاديمير بوتين ثقله في تسويق الاتفاق شخصياً مع أطراف إقليمية، في وقت وجهت سوريا رسالة قوية إلى موسكو بإعلانها إجراء الانتخابات التشريعية في نيسان المقبل، والذي تعتبره موسكو جزءاً من التسوية الذي ينبغي إدراجه في خريطة الحل السياسي على قاعدة القرار 2254.
في أي حال من الأحوال، يبقى الشعب السوري وحده، من يدفع ثمناً غالياً وسط غياب رؤية تسوية مقبولة بين أطراف الأزمة الدوليين والإقليميين والمحليين، ما يعني أن مشروع الاتفاق، لن يكون سوى حلقة في مشروع إدارة الأزمة الذي انطلق مع القرار الدولي 2254. –