اليمن بين “فكي” داعش و القاعدة
الأوضاع الملتهبة في اليمن ، الذي يعيش على إيقاع حرب أهلية دخلت عامها الثاني، دون مؤشرات جدية على أنها ستضع أوزارها في القريب العاجل، فتحت المجال لظهور أرقام في معادلة الأرض المحروقة، لعل أبرزها التنظيمات الإرهابية، التي تتربص باليمن منذ بعض الوقت وفي طليعتها قاعدة اليمن، المرتبطة بالقاعدة الأم والمبايعة لزعيمها الحالي أيمن الظواهري.
ولكن القاعدة في شبه الجزيرة العربية، لم تعد اللاعب المتشدد الوحيد في الساحة اليمنية العاصفة، إذا دخل تنظيم داعش معلناً عن وجوده، من خلال التفجيرات التي استهدفت في البدء مساجد تابعة للحوثيين، فيما يشبه رسالة طمأنة لأهالي اليمن بأنه جاء نصيرا للسنة وحامياً لهم من مليشات الحوثي، وهو ما قد يظهر عكسه، عندما تكشف الأيام أن تلك التفجيرات يراد منها التغلغل داخل اليمنيين، ومن ثم سلبهم إرادتهم كما فعل التنظيم المتطرف في سوريا والعراق.
ويرى مراقبون، أن الحرب اليمنية تشكل حاضنة لمثل هذه التنظيمات، التي تلعب أوراقاً مختلفة منها الاحتواء والاستفادة من غياب سلطة مركزية، والعمل على احتلال مدن متى ما سنحت لها الفرصة، ومن ثم تبدأ فرض سياسة الأمر الواقع.
ولا يستبعد هؤلاء، أن يكون كل من داعش والقاعدة، يحاولان استغلال الفوضى الحالية للحصول على مكاسب مادية وبشرية، يمكن أن تشكل قاعدة الانطلاق والتمدد، مستفيدين من انشغال طرفي الصراع في أولوية الحسم العسكري لإعادة الشرعية بالنسبة للجيش اليمني وقوات المقاومة الشعبية، ولإطالة أمد الانقلاب من جهة مليشيات الحوثي والمخلوع صالح.
ويقول إعلاميون يمنيون، إن التنظيمين حاولا تقديم نفسيهما على أنهما البديل المناسب في ظل الفراغ المؤسسي في اليمن، مؤكدين أن عناصر وازنة في القاعدة وداعش بدأت اتصالات سرية مع بعض الوجهاء وشيوخ القبائل، لتشكيل ما يعرف بـ”المجالس الأهلية”، عوضا عن المجالس المحلية، التي يرى فيها السكان أحد أذرع النظام السابق، الذي أحرق الحرث والنسل ودمر البلاد سعياً لتحقيق مصالحه الشخصية.
ويؤكد محللون، أن هذه الخطوة التي أقدمت عليها التنظيمات المتشددة، خصوصا في المناطق التي تتواجد فيها، أو التي تسيطر عليها، يراد منها خلق حاضنة اجتماعية لاحتضان العناصر القيادة للإرهابيين، ومن ثم التوغل داخل المجتمع اليمني، وكسب ود قيادات قبلية ساخطة على طرفي الصراع الحالي في مرحلة لاحقة.
صناعة الموت
وكشفت تقارير يمنية، أن التحدي الحقيقي الذي يواجه تمدد داعش وتنظيم القاعدة، هو وجود دولة قوية وسلطة شرعية، لذلك جنح التنظيمان إلى زعزعة الأمن وبث الرعب، وفاءً لمنطلقاتهما وتاريخهما الدموي المشهود.
وأضافت المصادر، أن المتشددين سيبذلون ما في وسعهم من أجل إطالة أمد الفوضى، خصوصا المناطق المحررة من قبضة المتمردين الحوثيين، والخاضعة لسلطة الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي، من خلال تنفيذ سلسلة من الهجمات الانتحارية، ولعب ورقة الاغتيالات السياسية والعسكرية وحتى الشخصيات القبلية الوازنة والداعمة للشرعية، فضلا عن استهداف مقرات الوحدات العسكرية والأمنية سواء كانت يمنية أو تابعة للتحالف العربي.
وتقول المصادر، إن داعش تحديداً غير من استراتيجية الاحتواء والظهور كنصير للسنة، إلى سياسة الترهيب والترغيب، وهو ما ينفد ظهوره الأول كمدافع عن السنة ضد الحوثيين الشيعة.
وأضافت، أن استهداف انتحاريي تنظيم الدولة لمراكز المجندين والقيام بعمليات مفخخة، يكشف الوجه القبيح لهذا التنظيم، وهو ما جسده التفجير الانتحاري الذي ضرب معسكر رأسع عباس بمديرية البريقة في محافظة عدن خلال الشهر الجاري، والذي أودى بحياة 13 مجنداً من قوات هادي وجرح أكثر من 52 آخرين، والذي بادر داعش لتبنيه، وكشف هويته منفذه المدعو “أبو عيسى الأنصاري”.
حرب داخل الحرب
ويعتبر متابعون للشأن اليمني، أن التنظيمات المتطرفة قد تكون الرابح الأكبر من الأحداث الدائرة حالياً في اليمن، وقد تحقق بعض غاياتها، لكن إصرار كل تنظيم على إثبات وجوده والظهور بشكل قوي، ينذر باندلاع حرب بينهما، تنهي حالة التناغم الحالية، وتضيف حرباً “إرهابية” إلى الحرب الأهلية الدائرة أصلا، وعندها ستزيد تعقيدات الوضع اليمني حتى مع وجود سلطة شرعية قوية.