نون لايت

4 فرسان يلتقون في ثالث حلقات «أمير الشعراء» على مسرح شاطئ الراحة

 نون أبوظبي    

أخبار ذات صلة
في دار زايد التسامح وعلى مسرح شاطئ الراحة؛ التقى ليلة أمس الثلاثاء؛ أربعةٌ من فرسان «أمير الشعراء»، معلنين بدء منافسة شعرية جديدة فيما بينهم، ممثلين أربعة دول، وهم أماني الزعيبي من تونس، شيخة المطيري من الإمارات، علي حسن الحربي من البحرين، ومبارك سيد أحمد من مصر.

وقبل أن تبدأ المنافسة بين الشعراء الأربعة؛ تمّ الإعلان عن اسمي الشاعرين اللذين تأهلا إلى المرحلة الثانية عن الحلقة الثانية، وذلك بعد جمع درجات لجنة التحكيم التي حصلا عليها مع درجات تصويت الجمهور، فحصل الشاعر الأردني هاني عبدالجواد على 63 درجة، فيما حصل الشاعر المالي عبدالمنعم حسن محمد على 62 درجة، لينضما بذلك إلى زميلتيهما الشاعرة ابتهال تريتر التي سبق لها وتأهلت بدرجات اللجنة، ولتغادر خلود بناصر المسابقة وهي التي قدمت نصاً متميزاً.

كانت الأمسية مفعمة بالحماس كسابقتيها، وقد شهدها كل من عيسى سيف المزروعي نائب رئيس لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية، والشاعر حبيب الصايغ رئيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، الأمين العام لاتحاد الكتاب العرب، وسلطان العميمي مدير أكاديمية الشعر، إلى جانبهم عدد من الشعراء والنقاد وجمهور الشعر الذي ملأ مدرّجات المسرح.

وخلال الأمسية أطلت الفنانة الأردنية زين عوض، وغنت قصيدة الشاعر نزار قباني (اغضب)، وعزفتها على البيانو بمصاحبة فرقتها الموسيقية. والقصيدة من ألحان الموسيقار حلمي بكر، وقد سبق للفنانة أصالة نصري غناءها.

من جانبها قدمت لجين عمران أعضاء لجنة تحكيم «أمير الشعراء»، د. صلاح فضل، ود. عبدالملك مرتاض، ود. علي بن تميم، الذين قدموا نقداً وافياً عن قصائد شعراء الحلقة، ومنحوا الشاعر المصري مبارك سيد أحمد 44 درجة، ما يعني انتقاله إلى المرحلة الثانية من المسابقة، فيما منح أعضاء اللجنة كلاً من الشاعرة الإماراتية شيخة المطيري والشاعرة التونسية أماني الزعيبي 43 درجة، أما الشاعر البحريني علي حسن فحصل على 39 درجة. وبناء على تلك النتائج؛ سيكون أمام الثلاثي أسبوعاً من انتظار نتائج تصويت الجمهور، لتُجمع مع درجات لجنة التحكيم، ومن ثم يتمّ الإعلان عن اسمي المتأهلين أو المتأهلتين بداية الحلقة القادمة.

التسامح عنوان المجاراة بين النبطي والفصيح

ليلة أمس استضاف «أمير الشعراء» نجمين من نجوم برنامجي «أمير الشعراء» و«شاعر المليون»، وهما الشاعر العراقي هزبر محمود والشاعر الكويتي ماجد لفى الديحاني. فقدّما قصيدتين عنوانهما التسامح. فقال الشاعر هزبر محمود:

زُرعت بأرض خصبة الّلمعان  

لتكون شمساً والعطاء فروعها

فتشابكت خيراً على الجيران

وثمارها ضوئيّة تزهر بعطر العزّ

فوّاحاً من البستان

من بعضها لولا التّسامح لم تقف طيرٌ

ولا غنّت على الأغصان

هي باختصارٍ بسمة الأوطان للأوطان

والأديان للأديان

شكراً لكم أهلي لأنّ عروبتي

نهرٌ بكم متدفق الجريان

من ها هنا انطلق العناق

ولم تكن من قيمة عليا سوى الإنسان

فيما ألقى الديحاني قصيدة نبطية قال فيها:

هلّت مزون الغيمة الشّعريّة واروت شعوري واثمرت قيفاني

وطارت حمامات السّلام وحامت           تستوحي الألحان من وجداني

في دار زايد للتّسامح موطن                     بصمة فخر  للموقف الإنساني

تشجّر الطّيب ربا في حماها                      وغنّت نسايمها بشكلٍ ثاني

في ظلّها محدٍ يحسّ بغربة                         حتّى الغريب يعيش فيها هاني

شعب الإمارات الأصيل والوافي              للضّيف حيّ وبالكرم متفاني

 «تراتيل الضوء» لآمال الزعيبي

والحلقة التي نقلتها قناتا الإمارات وبينونة على الهواء مباشرة كما هي العادة؛ بدأت مع الشاعرة آمال الزعيبي التي ألقت قصيدتها «تراتيل الضوء» فخطفت إعجاب النّقاد، وهو ما أكده الناقد د. صلاح فضل الذي قال إن أماني قادمة من بلد الجمال تونس الخضراء الفيحاء.

ومما قالته أماني في الأبيات الأولى من قصيدتها:

ألقى إليّ نشيد البرق واستترا                         ضوءاً هممتُ به فانسلّ واندثرا

أسرى إلى سدرةٍ قد أُشهرت ولهاً                   تحفّه هدأةٌ بالرّوح قد نُثرا

يمشي على غمغمات الماء ينزعها                   من طينها وحدهُ كان الخطو والأثرا

قد صافح الشّمس إذ قامت تصافحه        كأنّه قُدّ من أثوابها بشرا

وشق في البحر بهواً موغلاً أبداً                     فارتدّ في خافقي الطّوفان مُنكدرا

وضج في الطّور صوتٌ يعتلي قبساً               خبّأتُه فسرى، قيّدته انتشرا

له البدايات رؤيا الأنبياء ولي                         رؤياي سوّيت من أشتاتها دررا

ورأى د. فضل رأى أن أماني قالت شعراً جيداً يدعو للتأمل، لكنه يحتاج إلى شيء من التفسير، لأن لعبة الضمائر لديها محيرة. حيث وجد في القصيدة ثلاثة مقاطع. ففي البداية يوجد المتكلم (هو وأنا)، وذلك عندما قالت: (ألقى إليّ)، فلم يعرف د. فضل من هو الذي ألقى إليها، ثم تنتقل إلى ضمير المتكلم في بيت جميل استحق تشجيع الجمهور (لي رعشة النّار تكوين الرّماد ولي/ليل أصير على أعتابه قمرا)، وهو طيب ومفهوم وشفاف. لكن عندما تنتقل إلى ضمير (هم) بقولها: (هم صوّروا من شعاب الرّوح هدهدهم/وأخرجوا من غدي بِلقيس والنّذرا)؛ لا يعرف القارئ من هم الذين تعنيهم، ومن هم الذين أخرجوا بلقيس من مستقبل تونس، فتعمّي كلامها قليلاً. وبرأيه أن ذاك التهويم الشعري يضعف رسالة الشاعرة، ومع ذلك فإن القصيدة في جملتها محكمة البناء على ما في ضمائرها من إبهام. ثم دعا أماني إلى جعل الضمير ظاهراً.

فيما بدأ د. علي بن تميم من عنوان النص (تراتيل الضّوء)، وقال إنها تراتيل مجوّدة تشبه تونس وأهلها، والقصيدة التي قدمتها أماني متشحة بالغموض الشفاف الذي يثري المعنى، ويجعل القارئ يقرأ النص قراءة تفاعلية ليصل إلى المعنى ويكشف عن جمالياته، وهذا ما وجد فيهد. بن تميم ملمحاً جمالياً.

والقصيدة – كما قال – تتحدث عن الإلهام الشعري، وتحاول أن تبحث فيه، وتصفه بعبارات مجنِّحة، فهو يأتي لمحاً كالبرق الخاطف، ويأخذ بصاحبه إلى سدرة الشعر وليس إلى سدة المنتهى (ألقى إليّ نشيد البرق واستترا/ضوءاً هممتُ به فانسلّ واندثرا)، (أسرى إلى سدرةٍ قد أُشهرت ولهاً/تحفّه هدأةٌ بالرّوح قد نُثرا).

ثم إن القصيدة تستعير من مفردات القرآن، وتشير إلى السمو والعلوّ والتفرّد، بعد ذلك تحرص على التنبيه إلى أن الإلهام هنا هو بشري، فتتحدث عن الطين والماء لتعود وتصعد إلى الشمس، ثم تعود من جديد إلى المفردات القرآنية، فتستعير الطّور الذي اعتلاه النبي موسى، والقبس الذي ذهب النبي موسى ليستعيره، ولتجمع لحظة الإلهام بالماء والنار والطين والروح.

ووجد د. بن تميم أن القصيدة تلج باب التصوف على هذا المنحى، وخاصة في الأبيات الأخيرة منها، لتصف تجربة الإبداع، وتذكر هدهد النبي سليمان، وحكاية بلقيس، أما الرجفة البيضاء التي تشير إلى لحظة الومضة الشعرية؛ فتتناص مع اليد البيضاء التي أخرجها موسى من جيبه فتتوهج.

وختم بالقول: إن ذاك النص يتسم بنفحة شعرية تشابه شعر المتصوفة بسعيه للوصول إلى الحقيقة، لكن الشعر هو لحظة الكشف ولحظة المشتهى كما تجلت ها هنا.

وأوضح د. عبدالملك مرتاض أن القصيدة تحتاج إلى تدقيق من جهة اللغة العربية، حيث فيها بعض الهنات اللغوية. ثم علّق على البحر البسيط الذي كتبت عليه أماني، باعتباره من أكثر البحور الشعرية رتابة وبرودة، وبالرغم من أن الشاعرة حاولت تدفئة هذا الإيقاع البسيط التقليدي الرتيب بإلقائها الجميل، إلا أنه ظل بسيطاً ورتيباً. ورأى أن القصيدة تقليدية إلى حد كبير، فبالإضافة إلى عموديتها؛ لا يوجد فيها شغل ولا تشكيل. وأعاد ذلك د. فضل إلى احتمالية عدم قراءة الشاعرة لفحول شعراء التفعيلة العرب، ولذلك غرقت في عمودية ثقيلة. لكنه وجد في قصيدتها أبياتاً جياداً، كما البيت (جمّعت من رغوة النيران قافيتي/أشرعتها للثّرى فاسّاقطت مصرا)، ففيه صورة شعرية أنيقة ومبتكرة، حيث جعلت الشاعرة القافية مشكّلة، و(رغوة النار)هي بحد ذاتها انزياح لغوي بديع وجميل، معتبراً أن هذا البيت وحده يشفع للشاعرة التي قدمت قصيدة جميلة في أمسية بديعة.

«حصار» شيخة المطيري شعر حديث

وتحت عنوان «حصار» ألقت الشاعرة الإماراتية شيخة المطيري قصيدتها المملوءة بروح إنسانية مفعمة بحب الطفولة، والمسكونة بالدفاع عن الطفولة كما رآها د. علي بن تميم. ومما جاء في مطلع هذا النص:

كفّنت أحلام الصغار

المتعبين من الطّفولة والبراءة

والرّغيف اللا يجيء

زمنٌ يعبث برأسهم

زمن الظّلام

من أين يكبر طفلهم

وبأيّ مدرسةٍ يموت

دُقّ الجرس

دُقّت قلوب الخائفين

ستعود حافلةٌ لذاك الحيّ كم حيٍّ بها

ستعود تجلس قرفصاء الموت

وأضاف د. علي بن تميم أن النزعة المتشائمة تبرز في النص الذي بدأ بأحلام الصغار، وانتهى بحالة حصار على حد تعبير الشاعر محمود درويش في أحد دواوينه، ولو أنه قد حاصر حصاره.

ووجد د. بن تميم أن النص يرسم واقعاً حزيناً مليئاً بالأسى والخوف والفزع والجوع والموت وغياب الأمن، وكان ينبغي لكل ما سبق أن يحث الشاعرة على استكناه ذاك الوجه الغائب من التفاؤل الباعث على الإيجابية والأمل.

أما حركة القصيدة فهي بارعة في تتبع عناصر الألم في المشهد، لكنها براعة قادت إلى بناء نص تقريري على الرغم من حضور مشاهد شعرية جميلة، ومنها (شعري تعرى من حمام الروح/ثم بدا وحيدا/يا أنت كفّني ببعض الماء كي أحيا). ورأى د. بن تميم أن لغة النص وصفية جداً وفيها نبرة تسجيلية وغياب لرمزية ضرورية من شأنها أن تصنع حالة شعرية موازية لقسوة الواقع ومتعالية عليه، وأن الشاعرة كفّنت أحلام الصغار في البداية، وفي النهاية كفّنت أحلام الكبار، وهي ليست صغير أو كبيرة،فنجت أحلامها من الموت المحقق.

ووصف د. عبدالملك مرتاض شيخة بأنها حفيدة تماضر الخنساء. وقال إنها قدّمت قصيدة حديثة وبديعة وجميلة جداً، فيها شغل وتشكيل كما في البيت: (لا أم تنتظر البقايا من صغار العائدين/لا أم تسأل إن تأخّر طفلها عن بيته).

ووجد في النص قلق الوجود، وهو ما تمثل في قول شيخة: (من أين نأتي بالغيوم لكي نعيش/من أين نأتي بالتراب/لكي نغطّي موتنا)، مشيراً إلى أن هذا الشعر بديعاًوحديثاً جداً. أما بالنسبة للغة فتقول: (والرغيف اللا يجيء)، مشيراً أن للمرة الأولى يُدخل شاعراً النفي على الفعل، والمعروف أن (ال) تدخل على المضارع الثابت غير المنفي كما قال الفرزدق (مَا أَنْتَ بِالحَكَمِ التُرْضَى حُكُومَتُهُ)، فأبدعت الشاعرة في اللغة، و(والرغيف اللا يجيء) أي الذي يجيء، لكن العروض لم يسمح للشاعرة بقول غير ذلك، وهي التي قدمت قصيدة جميلة.

لكنه وجّه عتباً لها لوقوعها في بعض الهنات مثل (دق الجرس/ دقت قلوب الخائفين)، والأصح (دقق). وختم بأن الشاعرة قدمت شعراً بديعاً وحديثاً وكثيفاً ورفيعاً.

من جانبه أشار د. صلاح فضل إلى أن القصيدة عنيفة ومرهقة قليلاً، لأن شيخة تعتمد فيها على شعر التفعيلة، وهو شعر عارم لا فضول فيه ولا غطاء له، والشاعرة تدرك ذلك بقولها: (شعري تعرى من حمام الروح)، وهذا جميل. وتمثّل د. فضل تلك القصيدة؛ وكأن إماراتية تقوم برحلة إنسانية إلى بلد منكوب، وبلمسة أمومية تتعلق أهدابها بأطفال كفّنوا أحلامهم، وتقصر اللغة على ما لا ترضى عمداً لتوليد الغرابة، مثل (الرغيف اللا يجيء)، فكان بوسع الشاعرة قول أوصاف كثيرة غير ذلك.

أما التقابل الإيقاعي والدلالي بين زمن يعيش وزمن يعيث فهو ممتع، والعرق الدرامي في صراع صوت القصيدة مع الواقع الكارثي ينبض بقوة، وينتهي إلى رؤية الأرض كأنها زنزانة كبرى، لنلامس بذلك حدود الميتافيزيقيا، وتظل طيبة الكفن العنيفة ممتدة فيطلب صوت القصيدة من الآخر أن يكفنه بالماء كي يحيا. ثم تشفق الشاعرة على جمهورها من وطأة التجرية فتقول: (لا تتبعوني إن كتبت قصيدة أخرى) وتدخل في دائرة صمت الحصار. وفي ختام رأيه قال د. فضل: إن الحركة الشعرية قوية ومتماسكة، لكن الرؤية كفكاوية، ولا يغير ذلك من جمال القصيدة.

«إلى فتى النّسيان» علي حسن الحربي

الوقفة الثالثة مع شعراء الأمسية كانت مع الشاعر علي حسن الحربي الذي ألقى «إلى فتى النسيان» الذي أعجب د. عبدالملك مرتاض، فوصفه بأنه نص جميل، ومما جاء في مطلع ما ألقاه علي حسن:

سيكبر قبل المستحيل المعدّ له

وينزف أحلاماً تموت وأسئلة

فتى موغلٌ في السّهو

إلا حبيبةً

يفرّ إليها وهي في السّهو موغلة

تلبّسني حتّى التباسي

تُرايَ من؟

أجبني

جنون الشكّ أخشى تحمّله

توقّف

كفاك البحث فيّ فما أنا سوى عاشقٍ

لم تُجْدِه حيلة الوله

د. مرتاض أشار إلى أن النص يشتمل على قدر كبير من التشكيل الفني، لكن ثمة هنات في اللغة، و(تسوّله) لا علاقة له بالسؤال بمعنى الشحاذة، فالتسويل هو التزيين والتحسين. وبعيداً عن ذلك فقد أنشد الشاعر قصيدة جيدة إلى حد كبير من ناحية التشكيل والصياغة والتكثيف في اللغة الشعرية. ووجد فيها عناية شديدة باللعب في القافية، وإن أوقعت الشاعر في بعض التكلف حين قال: (لم تُجْده حيلة الوله)، فهذه العبارة نزلت بالمستوى الفني للنص.

أما في قول الشاعر (أذوب احتمالات مغايرة الرّؤى/تصرّ على رفض الظّنون المؤوّلة) فيوجد تكيثف لغوي بالغ الجمال. لكن البيت الثالث فيه قلق وجودي. ولم يعدم الشاعر من استحضار بعض التعابير القرآنية كقوله: (كـ «يوسف» أحزانٍ و«بئر معطّلة»)، فحلق عليّ في شعرية عالية وبعيدة.

فيما قال د. صلاح فضل إن الشاعر كتب النص سهواً، وهي أيضاً حالة شعرية، فتوغل في السهو، وحبيبته مثله، كما نسي الشاعر إثبات حرف النون حين قال (تُراي من). وبالنسبة للقافية فهي تعينه أحياناً وتخذله أحياناً، فبقوله:(الجهات مؤجلة) إنّما يصيب القول الشعري، لكن حين يقول:إن (الحقيقة عثرة/سقوط على الأنقاض/حرب مغفّلة)، فهذا أمر يضحك.

وأضاف د. فضل موجهاً كلامه للشاعر: أخشى أنك قد ذهبت بعيداً حين قلت (كثير على دنياي وهي قليلة)، ثم إنك تستخدم مفارقات لفظية لا ترقى بالشعرية ولا تصنع فلسفة، كما تتناقض عندما تقول إن الشيطان يتلبّس روحك في بيت (خذلت الله)،وهو بيت عنيف، لتزعم في البيت التالي (شفاهي مبللة بوحي الأنبياء)، وكأنك نسيت أن تختار بين الموقفين.

وبرأي د. علي بن تميم فإن القصيدة تظهر أن الشاعر يعتمد على النسيان والسهو، لكنها في الواقع شديدة التذكر. فالنسيان شرط من شروط العيش، كما أن الإفراط في التّذكّر قد يقضي على الإنسان، بمعنى أن شدة حضور الماضي يعرقل هوية الذات.

وأشار د. علي إلى أن القصيدة تقوم على ثلاثة ضمائر (هو) الذي يحكي قصة الفتى، و(ضمير المخاطب المفرد) الذي يبحث في تاريخ ذلك الفتى ومفتشاً في أعماقه ومنقّباً عنه، وضمير (الأنا) الذي تتجمع عنده المعاناة، وهذا التقسيم موهماً، فالقصيدة كلها تتحدث عن ذات مثقلة بالمعاناة والقلق، واللجوء إلى القرآن واضح، حيث توجد إشارة إلى النبي يوسف وحزنه، وهي إشارة تتناسى أن يوسف صعد من الجب إلى سدة الحكم، وإشارة إلى البئر المعطلة التي تعني غياب القدرة على الفعل المنتج، وإلى ابن نوح الذي يجيء في النص مطابقاً لصورته القرآنية رمزاً للعناد والمكابرة. كما توجد إشارة إلى التفاح بوصفه رمزاً للغواية وإلى الشيطان ورفض السجود، وهذه إشارات تدل على ثقافة جيدة، لكنها لم تسهم في بلورة المعاناة، بقدر ما جاءت كأمثلة عليها، لتؤكد أن ذاكرة الشاعر معافاة. وعندما ذكر الشاعر قصة يوسف توقف عند الجانب المأساوي منها، مع أن بقيتها تشير إلى قصر مشيد، فتعجز القصيدة بذلك عن اكتناه لحظة الخروج، وترسم الحياة بوصفها لحظة كربلائية مستمرة.

أعلى الدرجات لمبارك بـ«مختصر العبارة»

ختام الأمسية كانت مع الشاعر مبارك سيد أحمد، فألقى قصيدته «مختصر العبارة» التي قادته إلى الحصول على أعلى درجات أعضاء لجنة التحكيم، خاصة وأن د. عبدالملك مرتاض وصف الشعرية فيها بأنها طامية، تذكّر بفحول قصيدة التفعيلة الكبار. ومما قاله سيد أحمد في مطلع نصه:

مَاذا يُريدُ فؤادك القمريُّ من ضَوء المنارة؟

قبّلتَ رأس الجُرحِ بعدَ شِفاك منه،وَمَا ارتضَيتَ لَه بأن يُبدِي اعتذَارَه

وَنبذتَ قلبك بالعراء وقلت: حتماً سوف يأخذُ في مشَاعرِهِ قرارَه

فغدوتَ أوّل من يُعلم خُرسَأ دمُعِ قلبه لغة الإشَارَة

ها أنت مرتهنٌ لدى الكلماتِ حتّى تستعيدَ لثيّبِ المعنى البَكَارَة

ها أنتَ

يكفي يا أخي للآن لم تدخل بدين الحبّ حتّى تدّعي فقه المرارة

الأمرُ أكبرُ من وصوليَ للمنارة

أهلي هناك يعلّقون اسمي مصابيحاً بأعمدةِ التّفاخر حين تنقطِعُ الإنارة

ويقال أنّ النّحل يستقصِي من الأطفال أخباري ليرجعَ للمزارع بالبشارة

كانت البداية في النقد مع د. صلاح فضل الذي قال لمبارك: أنت مسكون بنزعة وطنية شديدة مبالغ فيها، فتكتب قصيدة تفعيلة لتتخفف من القافية التي تغرق فيها أكثر بمهارة. أما أن تعلم أدمع الخرساء لغة الإشارة فهذه صورة عجيبة (فغدوتَ أوّل من يُعلم خُرسَأ دمُعِ قلبه لغة الإشَارَة). ثم تنفجر بعدها نافورة الصور لديك، أهلك الذين علقوا الآمال عليك (أهلي هناك يعلّقون اسمي مصابيحاً بأعمدةِ التفاخرِ حين تنقطِعُ الإنارة)، والنّخل (ويُقال إنّ النّخل يستقصِي من الأطفال أخباري ليرجعَ للمزارعِ بالبشارة)، والعمامة (ويُقال إن ابن الأصول النّيل لفّ عمامةَ التّاريخِ حول دماغه وأشارَ نحويَ قائلاً:/هذا ابن عمّي عن جدارة)، والحمام (حتّى الحمام على سطوحِ منازل الجيران رفِ ينثرُ قصّتي حَبًاً ويُطعمُها صِغارَه).

ووجد د. فضل في النص بزخاً في التصوير والتدفق الشعري الجميل. وأضاف: تزغرد قصيدتك وهي تشعل شرارة الأمل في قلب مصر، وتطمح أن (تدرّس صرختي في كلّ مدرسة وحارة)، فما أشد طموحك وجموحك، والأمر فعلاً أكثر من قصيدة. ثم ختم د. فضل بعبارة النفري (إذا اتسعت الرؤية ضاقت العبارة).

لكن الرؤية حسية جداً في النص كما علّق د. علي بن تميم. فالمعنى ثيّب والشاعر يحاول أن يرد البكارة إليه، وهذا معنى فحولياً رهيباً. ووجد د. بن تميم أن النص يعتمد على تقنية القرين، ويتجلى فيه صراع بين الواقع والرغبة والحلم، أي بين واقع الشاعر وبين ما يحلم به. والقرين في الوقت نفسه ينشطر ويتشظى، ليقول الشاعر: (مَاذا يُريدُ فؤادك القمريُّ من ضَوء المنارة؟)، لكن تقنية القرين في النص تخلو من الجدة وعمق الصراع، وهو ما يتجلى بقول مبارك: (الأمرُ أكبرُ من وصولي للإمارة/ الأمر يعني لي الكثير وكلّ ما يعنيه لي:وطني/بمختصر العبارة)، إذ لا يرى د. علي تعارضاً بين الوصول إلى الإمارة وبين الانتماء إلى الوطن، لكن الشاعر يخفي نزعة براغماتية ليستنهض همم الجمهور.

وعلى مستوى الشك يقول الشاعر: (يكفي يا أخي للآن لم تدخل بدين الحب حتّى تدّعي فقه المرارة)، مشيداً د. بن تميم أن الكلام هنا يخلو من الشعرية، لا بل هو ركيك نوعاً ما. وحين يقول: (أهلي هناك يعلّقون اسمي مصابيحاً بأعمدةِ التفاخرِ حين تنقطِعُ الإنارة)؛ يستخدم مفردة (مصابيحا) للضرورة الشعرية، وبالتالي لو حذفها لما اختلّ المعنى، وما لجأ للضرورات.

وأضاف د. علي: إن الأنا الشعرية المتضخمة في النص كان ينبغي أن تتراجع قليلاً ليبرز الوطن أكثر للذات. موضحاً أن كل ما سبق من ملاحظات لا يضر في عمق النص وشعريته.

وانتهى د. عبدالملك مرتاض بالقول إن القصيدة بالغة الجمال ورائعة رغم بعض الأخطاء اللغوية التي سبق لزملائه أن وقعوا فيها. مؤكداً د. مرتاض أن الشعرية في القصيدة طامية، تذكّر بفحول قصيدة التفعيلة الكبار، وأكّد ذلك اختيار البحر الكامل، والقافية التي كانت بمنتهى الرشاقة والأناقة والجمال.

وأما قول الشاعر (حتّى تدرّس صرختي في كلّ مدرسة وحارة/وتصير لحناً قاله القصب المرابط في دمي واللهُ جسّده عبارة)، وهذا قول من السهل الممتنع لا يقال إلا لشاعر يوشك كبيراً إن لم يكن كبيراً.

من جهة ثانية علّق د. مرتاض على مسألة تدوير النص بكفاءة وبراعة واقتدار، وذلك حين جعل الشاعر عنوانه هو آخر ما جاء (مختصر العبارة)، مستخدماً عبارة دارجة من قبل الناس، فَرَقِيَ بها إلى منزلة رفيعة. وهو ما جعل د. مرتاض يتوسم في مبارك عبقرية الشاعرين علاء جانب وأحمد بخيت، فهو نسخة من شعريتهما، ولا يغدو يبرح شعريته بالعطاء الفني الرفيع والتصوير البديع.

في الحلقة القادمة

اختتمت الحلقة بالحماس الذي بدأت به، على أمل اللقاء يوم الثلاثاء القادم 19-2-2019، للإعلان عن اسمي الشاعرين المتأهلين بعد تصويت الجمهور، وللتعرّف على أربعة شعراء جدد سيتنافسون أمام أعضاء لجنة التحكيم وهم: أحمد محمد عسيري من السعودية، وعبدالسلام حاج من سوريا، وهبة الفقي من مصر، ويارا حجاوي من الأردن.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى