أثارت الأحداث المتلاحقة في السودان الشقيق منذ الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، العديد من التساؤلات حول طبيعة الأزمة في السودان، وهل هي «أزمة حالة» ما بين المكون المدني والمكون العسكري وليدة أحداث ما بعد سقوط نظام البشير. أم هي أزمة قديمة وعميقة قدم السودان نفسه؟!!.
المتأمل للواقع السوداني وطبيعة المجتمع هناك. يدرك دونما عناء أن السودان لا يزال يعاني من مشكلة تحقيق الاندماج الوطني وبناء الأمة الجامعة بين مكوناته المتعددة. فالسودان يعد انعكاساُ مصغراُ للقارة الأفريقية. حيث التنوعات والتباينات المتعددة ثقافياً، عرقياً، ودينياً، ولغوياً. فنجد التعددية العرقية تقسم المجتمع السوداني إلى جماعات عدة مثل: العرب، البجا، النوباويون، النوبيون، الدارفوريون، وأفريقيو الغرب، ثم المجموعات الأفريقية في الجنوب ما قبل انفصاله.
ولغوياً: ينطق السودان باللغات العربية، الكوشية، والكردفانية في الشمال، والدنكا والزاندي، والنوير وغيرها من اللغات الأفريقية جنوباً.
ثقافياً؛ وعلى الرغم من أنه يمكن اعتبار الشمال في السودان ذو ثقافة موحدة استناداً إلى عاملي اللغة العربية والدين الإسلامي، غير أن ذلك ليس صحيحاً في مطلقه. على سبيل المثال كل من جماعات البجا والنوبيين ترى نفسها مختلفة ثقافياً عن باقي الجماعات في الشمال، وفي الشمال الغربي توجد الجماعات والقبائل المسلمة غير العربية مثل: الفور، المساليت، والزغاوة. أما الشمال الشرقي فأغلبه من قبائل البجا المسلمة غير العربية، ثم جماعات النوبا في جبال النوبا في جنوب إقليم كردفان.
ودينياً؛ نجد إلى جانب الإسلام والمسيحية، جماعات أخرى تعتنق المعتقدات الأفريقية الطبيعية في مختلف أنحاء السودان، وحتى بين المجموعة التي تعتنق الإسلام نجد العديد من الطرق الصوفية، مثل المهدية، الختمية، القادرية، والأحمدية، والإدريسية وغيرها من الجماعات والطرق.
اقتصادياً: عانى السودان من التفاوت في معدلات التنمية بين أقاليمه المختلفة، ومن ثم بين جماعاته المتعددة؛ حيث هيمن السودانيين العرب في الشمال الأوسط على القوة السياسية والإدارية والاقتصادية عقب الاستقلال، وذلك على حساب التنمية وتزيع السلطة والموارد مع الأقاليم الأخرى، وهو ما أثار حفيظة الجماعات والأقاليم الأخرى وخلق حالة من عدم الرضا والاحباط سائدة منذ نهاية الخمسينيات.
وعلى هذا؛ فظروف البيئة الطبيعية للسودان واتساع مساحته، وسياسات الفترة الاستعمارية. وما تلاها من سياسات الحكم الوطني المتعاقب ما بعد الاستقلال. كلها عوامل أدت إلى ترسيخ وتعميق الواقع التعددي للمجتمع. وإبراز التمايزات والتناقضات على النحو الذي أثر على الأوضاع السياسية والاقتصادية المعاصرة في السودان.
انطلاقاً مما سبق يمكن الفصل بأن أصل الأزمة في السودان هو الغياب النسبي وأحياناً التام للإجماع على القيم. ما ينتج عنه من صراع وتنافس بين المكونات المختلفة للمجتمع في السودان. حيث صعوبة التوصل إلى أي إجماع وطني سوداني حول مختلف القضايا نتيجة لاختلاف المصالح والأهداف حتى داخل الجماعة الواحدة. وهو ما يشير إليه مختبر التاريخ بوضوح. إذ فشل السودان منذ استقلاله وحتى الآن في تحقيق أي إجماع وطني فيما يتعلق بقضاياه الرئيسية. مثل: هوية الدولة وشكلها، طبيعة نظام الحكم، وكذلك نمط توزيع السلطة وإدارة الموارد.
كذلك الفشل الكبير والمتعاقب لأنظمة الحكم المختلفة ـــــــ مدنية كانت أو عسكريةـــــــ في إقرار وصياغة خطة اقتصادية – اجتماعية عادلة ووطنية تشمل كافة الأقاليم، حيث تتعارض المصالح دائماً تختلف وتتقاطع، ومن ثم تفشل الخطط والحلول.
فالحل إذن؛ قد يكون بالتركيز على إيجاد صيغة للإجماع الوطني السوداني. بهدف تشكيل هوية وطنية جامعة تدعم عملية اندماج وطني في إطار إجماع نسبي على مختلف القضايا. يؤسس لتحول وانتقال ديمقراطي سليم ومستقر.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا