نون والقلم

وليد الرجيب يكتب: يا عام 2019 هات ما عندك!

ها قد مرّعام 2018 بسرعة جنونية، ربما كبقية الأعوام، وربما السرعة والبطء يتعلقان بحالاتنا النفسية وانتظاراتنا، وككل نهاية عام نحدق في المرآة أو في وجوه أترابنا، والتجاعيد وخطوط الزمن عليها، وكأننا نحدق في مرآة لنتفحص وجوهنا.

تمر السنون حاملة معولاً، نتلقى ضرباته عاماً بعد عام، معول السنين يهدم أعمارنا قطعة تلو قطعة، ونلتفت وراءنا لنكتشف أن ضحكة الطفولة وطموح الشباب، قد أصبحا بعيدين فنعرف أننا مشينا كثيراً، ونراجع فعلها فنجدها قد حصدت أصدقاء الطفولة والشباب الواحد تلو الآخر.

هل يختلف العام الذي يوشك أن ينصرم عما قبله؟ لم يختلف، فالإنسان ازدادت مآسيه، والحريق طال ما بناه مادياً وروحياً وأخلاقياً، كنا نصارع من أجل الرقي والتقدم، والبعض يجرنا بالسلاسل إلى الخلف، وليس مهماً الوسيلة، دينية أو سياسية أو مصلحة ضيقة، لم نعد نفرق بين المستغِل والمستغَل، لم نعد نفرق بين الكاذب والصادق، لم نعد نفرق بين الرفيق والعدو، فالجميع يستخدم أدوات السقوط الأخلاقي نفسها.

لا يوجد دائم ومطلق سوى حركة الواقع، وفي الحركة تغيير وتزكية أو إدانة، فالظلامي ليس فقط الماضوي، فالظلاميون مَن يحاولون تزييف التاريخ أيضاً، وكأن السنين رمتنا بفلذات أكبادها من أسوأ ما أنتجته البشرية، أليس سفك الدماء باسم الوطن، هو نتاج السقوط الأخلاقي واللاإنسانية؟ أليس محاولة خرقاء لصنع تاريخ مزور؟

أقبل يا عام 2019، هات ما عندك، اقض على ما تبقى من التحضر والثقافة، اجهز على ما تبقى من حرية، اسل مزيداً من الدماء وانثر مزيداً من الأشلاء، واقض على ما تبقى من نزاهة وإنسانية وقيم.

كل يرى الحق بلون ورائحة، وكل يأكل اللحم البشري حسب وصفته، فالعولمة التي جعلت كل شيء باهظ الثمن، جعلت من الإنسان زهيد الثمن، الكل يرى في نفسه مركزاً وبقية البشر أطراف، لا أحد يرى خارج ذاته، وكأن الواقع من صنع الذات، من صنع خيالاتهم المريضة.

هات يا 2019 ما عندك، فلم يبق في القلب مكان للطعن، هات ما عندك فالإنسان باق وهم راحلون، والكويت باقية وهم زائلون، فالإنسان والوطن فوق النظريات، والزمن يمحو الخربشات ويبقي النقش.

أتمنى أن يكون عام محبة وسلام على البشرية.

نقلا عن صحيفة الراي الكويتية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى