يستقبل إيمانويل ماكرون غداً رئيس الحكومة العراقي حيدر العبادي الذي يقوم بزيارة رسمية إلى فرنسا ومن المتوقع أن يسمع الرئيس الفرنسي استياء العبادي من الاستفتاء الذي دعا إليه مسعود بارزاني حول استقلال إقليم كردستان العراق. ولا شك في أن أغلبية الأكراد تطمح منذ زمن بعيد إلى قيام دولة كردية مستقلة. إلا أن جزءاً من الشعب الكردي اختلف مع بارزاني حول توقيت هذا الاستفتاء. فقد نظمه في ظل أوضاع اقتصادية متدهورة في الإقليم إضافة إلى وضعه السياسي المزعزع داخلياً. والشعب الكردي الذي قاتل بشجاعة لتحرير الموصل وفتح أبوابه أمام جميع الأقليات اللاجئة إليه لم يكن يحتاج في مثل هذا الوقت إلى عزلة مع قرار الحكومة المركزية إغلاق مطارات الإقليم. والعبادي الذي كان متعاوناً مع الأكراد يرى نفسه ضعيفاً أمام الذين يريدون التخريب على عمله السياسي مثل نوري المالكي والميليشيات الشيعية وكل وكلاء إيران على الأرض العراقية. صحيح أن الأكراد لهم تاريخ مؤلم وعاشوا مآسي تحت حكم صدام حسين وأنهم شعب شجاع ومناضل ولكن الانفصال عن العراق ليس في مصلحتهم لا الآن ولا مستقبلاً.
عندما ارتفعت أسعار النفط اعتقد الأكراد أن الحقول النفطية ستعطيهم ثروة تغنيهم عن أي ارتباط بالعراق. ولكن سرعان ما تبين أن احتياطي الحقول الكردية ليس واعداً بالمقدار الذي كانوا يتوقعونه. وقد خرجت شركة «توتال» الفرنسية و «أكسون» من كردستان علما أنهما دخلتا للتنقيب هناك رغم استياء بغداد. ولكن تبين أن الاحتياطي أقل بكثير مما توقعه الأكراد. وهم ينتجون حالياً حوالى ٥٠٠ ألف برميل في اليوم تصدر عبر الخط التركي الذي لم يغلق على رغم التهديدات التركية وتباع الكميات إلى إسرائيل بأسعار مخفضة. وتجدر الإشارة هنا إلى معلومات بعض المصادر أن تشغيل الخط التركي وحقوقه تعود إلى صهر الرئيس التركي أردوغان.
زوار أربيل يتحدثون عن وجود عدد من البنايات التي تم بناؤها في العهد الذهبي لسعر النفط ومعظمها خال. وفي ظل هذه الظروف الاقتصادية السيئة قام بارزاني بمجازفة في وقت غير مؤات، خصوصاً أن الأسرة الدولية لا تؤيد هذه الخطوة. وللأكراد علاقة قديمة وتاريخية مع فرنسا تعززت في عهد الرئيس الراحل فرانسوا ميتران وزوجته دانييل التي كانت مناضلة من أجلهم. وبقيت فرنسا على هذا النحو مع الأكراد ولكنها ليست راضية عن تحرك بارزاني. وقال مسؤول فرنسي لـ «الحياة» إن باريس أسفت لخطوة بارزاني ولكن أسفها إزاء هذا الخطأ مثل استياء والدة من خطأ طفلها فهي تحبه ولكنها تطلب منه تصحيح الخطأ. والمتوقع أن يقوم ماكرون بدور الوسيط بين بارزاني والعبادي. وقد يستمع إلى حجج العبادي ثم يتحاور مع بارزاني لإقناعه بتصحيح خطئه. ولكن هناك أيضاً أخطاء ارتكبتها حكومة بغداد منذ فترة طويلة، أولها عدم دفع المستحقات للأكراد من بيع النفط. فكان الاتفاق أن تدفع حكومة العراق ١٧ في المئة من الموازنة للإقليم ولكنها قلما التزمت بذلك، فالشعب الكردي يستحق تقاسم العائدات النفطية، خصوصاً أنه في الأوقات العصيبة كانت البيشمركة في طليعة المقاتلين لتحرير الموصل من «داعش» كما أن الإقليم استقبل النازحين، ولا يزال، فالمنطق والحق يقولان إن على القيادة العراقية أن تحترم حقوق الشعب الكردي. وعزل كردستان ليس الحل، بل هو يساهم في تفاقم الأزمة، وعيش الشعبين منفصلين يضاعف المشكلات ويكثف عداوات على الحدود مع تركيا وإيران ويفرح إسرائيل وهي الشريك التجاري على صعيد النفط الكردي الذي يباع عبر تركيا لإسرائيل بأسعار مخفضة، فالأمل أن ينجح ماكرون في إقناع الجانبين بضرورة العودة عن أخطائهما.