قبل أن تتكرر التجربة المريرة حين استضافت احدي البرامج الفضائية الإرهابي الليبي عبدالرحيم المسماري الناجي الوحيد من خلية الواحات التكفيرية وما وُضع تحت هذه المقابلة من عشرات الخطوط الحمراء، نريد إلقاء ضوء على الشخصية التكفيرية لأخطر إرهابي بشمال إفريقيا هشام عشماوي.
الإشارة الأولى من الجهل المطبق أن يظن أن هشام عشماوي شارك في قتل عشرات من جنود وضباط الجيش والشرطة وكذلك القضاء ومن بينهم من كان صديقه أو قضى مدة خدمة معه أو زامله في الدراسة أو من أجل صدمة نفسية بعد وفاة والده كما تدّعي كثيراً من الصحف نقلاً عن زوجته.
لقد تشّرب هشام عشماوي للفكر التكفيري وتأصّل فيه تأصٌّلا وليس أدلّ على ذلك من عملياته الإرهابية التي نفّذها ونفّذتها عناصره في كل من ليبيا ومصر، وهو وما وضح جلياً في إصدارات صوتية عن تنظيم المرابطين، في وقت سابق وكذلك في من جمعهم حوله من حثالة التيارات التكفيرية والسلفية الجهادية.
لن أتحدث الآن عن بهاء علي أبو المعاطى ولا عن صفوت زيدان ولا عن مرعي زغبية الذين قبض عليهم رفقة عشماوي في الـ 8 من أكتوبر عام 2018، وستكفيني الإشارة إلى امرأة وطفلين كانا حجر العثرة الذي تحطمت عليها مُجزرة عشماوي التكفيرية.
هذه المرأة هي زوجة الإرهابي المصري الذي فجر نفسه في درنة قبل إلقاء القبض عليه في عملية أمنية من قبل أبطال الجيش الوطني الليبي، قصة القبض على هذه المرأة مع هشام عشماوي تكشف السر الحقيقي حول إن كان عشماوي إرهابي مؤمنا بالفكرة التكفيرية أم انه فقط أصابته صدمة نفسية.
فمع بداية معركة الجيش الوطني الليبي لتحرير مدينة درنة 7 مايو 2018 كنت أعمل صحفياً في قسم الإسلام السياسي بأحد المواقع المصرية المتخصصة في هذا الملف، وخلال اتصال لي بأحد مصادري الليبية العسكرية أكد لي من داخل المدينة رصده لهشام عشماوي الذي يقود التكفيريين ضد الجيش الليبي، كانت هذه بداية انتباهي الصحفي نحو هذا الشخص وسعييِّ لتتبع أخباره من مصادر مختلفة، ولم يخلو تواصل لي مع مصدر إلا وسألت عن هشام عشماوي. انقطعت الأخبار فجأة كما بدأت فجأة ولكن يوم الـ 10 يونيو 2018 كان يوما صادما للتكفيريين في المدينة فقد أضطر صديق عشماوي في التكفير وشريكه في خلية المرابطون عمر رفاعي سرور لتفجير نفسه خشية أن يٌقبض عليه.
ليس كون عمر رفاعي سرور هو المفتي والمٌنظر المحسوب على تنظيم القاعدة بن رفاعي سرور مٌنظّر تنظيم الجهاد ورفيق مرجان سالم ومحمد الظواهري، بل إنٌّه كان وسيط عشماوي بعد إنشاء تنظيم المرابطون في درنة لتقوية العلاقات بينهم نظرا لمكانة رفاعي سرور عند التكفيريين.
هذا الخبر زج بالتكفيريين بحسب مصادر عسكرية ليبية في وقت سابق إلى أن انشقت إلى قسمين كبيرين، قسم بزعامة عشماوي نفسه الذي أراد الهروب التكتيكي من المدينة للتمركز مرة أٌخرى خارجها، وقسم آخر أراد البقاء في بدعوى الثأر لمقتل سرور وأن يموتوا على ما مات عليه، وهنا تجدر الإشارة إلى أن عشماوي كان يؤمن بمشروع ويرى أنَّ موتهِ نهاية لهذا المشروع فلذلك اختار الهرب، ولم يرد الانتحار الذي قد ينجر إليه أي مهزوز نفسي.
عشماوي إرهابي ذو خلية عسكرية استغلها في المعارك بشكل كبير وحين دخل إلى مدينة درنة قرر أن يسكن في حي المغار وسط المدينة، لعدة أسباب أهمها صعوبة استهدافه، وسهوله هروبه عبر الأنفاق الأرضية التي يشتهر بها هذا الحي.
وقد عاد هشام عشماوي بعد أن خفت الوطأة الأمنية على درنة بعد إعلان تحرير المدينة، وسحب عدد كبير من كتائب الجيش الليبي، ليخرج زوجة سرور وابنيه من المدينة وفاء لهذا الشخص وهو ما يؤكد شدة إيمانه وتأثره به وبفكره، إلا أنّ يقظة الجيش الليبي وقوات الإسناد سهلت لهم عملية نوعية للقبض على عشماوي أثناء محاولته للهروب من المدينة مع زوجة عمر وابنيه، وقد أظهرت الصورة الأولى لعشماوي بعد إلقاء القبض عليه العديد من الإشارات التي قد تفضح وتؤكد ما كان عليه عشماوي، فظهور هشام عشماوي مرتديا حزاما ناسفا ولكنه لم يستطع استخدامه نظرا لمباغته الأجهزة الأمنية الليبية، يؤكد انه كان يشك في فشل عمليته وإن قرر الانتحار دون أن يسلم نفسه، لمن يراهم كفاراً ومرتدين، وكذلك نظرة الانكسار والاستسلام التام التي كان فيها عشماوي لا تصدر عن مريض نفسي يفترض أن يثور ويدمر كل شيء حوله ولا يهدأ ولا يستسلم قبل كسر عظامه عظمة عظمة.
ملابس عشماوي وذقنهِ القصيرة تشيران إلاّ أنه لم يكن يهتم بما يطلق عليه الهدي الظاهر وأنه كان تكفيريا ولم يكن متدينا، بل إن مصادر قبلية في مدينة درنة تؤكد انه لم يكن يئم التكفيريين في الصلاة بل نادرا ما صلى معهم، وهو ما أثبتته حقيقة تواجده مع أرملة عمر رفاعي سرور فجرا دون محرم غير طفليها في سبيلهما للخروج من المدينة.
هذه هي الإشارة الأولى التي تتعلق بكون عشماوي مؤمن بالفكر التكفيري أما الإشارة التي يجدر التنبيه إليها هشام التابع المأجور وليس القيادي المتبوع، نعم فهذا ما أكدته عدة معلومات من مصادر عسكرية ليبية خرجت من التحقيقات، وكذلك تصريحات خبراء متخصصين في الإرهاب الدولي.
وفي حوارات ونقاشات مع الباحث بمنتدى الشرق الأوسط في لندن أحمد عطا نشرت بعضها كتصريحات صحفية، فإن عشماوي كان عميلا لجهاز أمن الدولة القطري، ووحدة الأموال الساخنة المسؤولة عن إعداد وتجهيز التنظيمات الجهادية المسلحة، من خلال اجتماعات مع رئيس الوحدة اللواء زياد الإمام الملقب بابو فادي الذي تقابل مع عشماوي ثلاث مرات قبل تنفيذ عملية الواحات 20 أكتوبر 2017 التي استشهد فيها 16 ضابطاً مصرياً بتمويل من الاستخبارات التركية بلغت تكلفتها١٠٠ مليون دولار.
هذه المعلومات تؤكد أن عشماوي كان تابعاً للدول الراعية للإرهاب والتي جعلته متبوعا من كل الإرهابيين بالمنطقة خاصة بعد تنصيبه أمين عام التنظيمات الإرهابية في شمال أفريقيا على الحدود السورية التركية في حضور مسئول استخباراتي تركي، واللواء زياد الإمام الملقب بأبو فادي مسئول وحدة الأموال الساخنة في جهاز أمن الدولة القطري.
ومن كل ذلك يمكننا القول أنّ عشماوي كان تكفيرياً ولم يكن متديناً، كان إرهابيا ولم يكن مريضا نفسيا، كان تابعا مأجوراً وليس قيادي متبوع وهو ما أشار إليه الرئيس السيسي في حديثه في وقت سابق عن الفرق بين الشهيد أحمد المنسي والإرهابي هشام عشماوي قائلا :«على الرغم من أنهما بدأ حياتهما ضابطين، إلاّ أنّ أحدهما تشوّش أو ربما خان، والثاني استمر على العهد والفهم».