نون والقلم

محمود زاهر يكتب: تحدي السذاجة

إذا أردتَ أن تعرف أحدًا ما، يجب عليك أن تعرف أولًا ماذا يقرأ، وبماذا يهتم، أو فيم يفكر؟.. لكن غالبية الشعوب العربية بطبعها «مقلدة» للغرب عمومًا، ومشاهير العالم بشكل خاص.
قبل أيام، لاحظنا «انتفاضة» على مواقع التواصل الاجتماعي، ليس بسبب أوضاعنا الداخلية البائسة، أو نتيجة لما يحدث في السودان وليبيا والعراق واليمن وفلسطين، أو مأساة اللاجئين السوريين، أو التبعية والخنوع للإرادة الأمريكية.. لكنها بسبب تحدي «10 years challenge»!
هذا التحدي الجديد، أصبح حديث الساعة، خلال الأيام الفائتة، على منصَّات التواصل الاجتماعي، ربما كنوع من الحنين إلى الماضي، والنبش في الذكريات، أو حتى للسخرية مما أصبح عليه الحال الآن، عنه قبل عشر سنوات!
لا تكاد تولي وجهك شطر منصًّات التواصل الاجتماعي، حتى تشاهد المئات، بل آلاف المشاركات لمستخدمين يقارنون بين صورهم القديمة والحديثة.. وبالطبع لا يسلم كثير ممن يشاركون في هذا التحدي من تعليقات طريفة، أو ساخرة، لاسيما حين يبدو أن تغييرًا لافتًا حصل في 10 سنوات.
لكن هؤلاء فاتهم أن يقوموا بمقارنات أخرى، عن أحوالنا وبؤسنا ومعاناتنا، على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وبالطبع التعليمية والصحية.. لأنهم ببساطة سيُفجعون بالنتائج الهزلية التي جعلتنا في ذيل الأمم!
وبالعودة إلى تحدي «years challenge 10»، الذي نتصور أنه ليس سوى امتداد لما سبقه من «تقليعات» عجيبة اجتاحت العالم العربي بشكل غير متوقع.. على غرار تحديات عالمية انتشرت خلال السنوات الأخيرة، مثل «تحدي دلو الثلج»، و«تحدي أحمر الشفاه».. و«رقصة كيكي»!
نعتقد أن تلك التحديات التي أريد لنا الانشغال بها، ما هي إلا حلقة في سلسلة من التقليد الأعمى، الذي يسهم في تبدُّل القيم السائدة، ليسفر عن سلوكيات «تافهة» أثَّرت بشكل مباشر على مجتمعنا، بمختلف عاداته وتقاليده، وأفرزت تداعيات خطيرة في جميع مجالات الحياة بأدق تفاصيلها.
المؤسف أن كثيرًا من شبابنا الذين نُعَوِّل عليهم لبناء المستقبل، تبدَّلت اهتماماتهم وثقافاتهم وميولهم، حتى بَدَت عليهم الشيخوخة المبكرة، وأعراض أمراض اجتماعية.. ضاعت معها بوصلتهم، وضلَّ سعيهم في طريق العودة.
للأسف، الآن أصبحت اهتمامات معظم الناس تافهة وفارغة، تعزز الابتعاد عن القيم وتغييب العقل «طوعًا أو كرهًا»، ولم يعد لديهم سوى التقليد الأعمى، كمصدر وحيد لتشكيل وجدانهم وميولهم.. بل أصبح المتحكم في تفكيرهم واندفاعهم!
يبدو لنا تساؤل، لم نجد له حتى الآن إجابة واضحة، حيث لا نعرف أسباب شغف شريحة كبيرة من الناس بهذه التحديات «المستوردة»، التي تنتقل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلى العالم العربي بشكل واسع، خصوصًا في مصر.
إن حمى الهوس بكل ما هو «مستورد» مؤشر خطير على عصر الانحطاط، ليس بسبب تلك التحديات وحسب، بل بالانشغال بتقليد الغرب في «التفاهة» فقط، ولذلك لا غرابة أن تكتفي مجتمعاتنا بالمشاهدة و«الفُرجة».. والغرق في وحل التخلف والجهل.
أخيرًا.. من خلال متابعة التحدي الجديد «10 years challenge» خطر على بالي مأثور شعبي «بالعاميَّة» لا يُعرف مصدره حين «قال الابن لأبيه: يابا علمني الغتاتة والرذالة.. قال له: إللي تقوله تعيده، طب علمني الهيافة؟ قال له تعالى في الفارغة واتصدر»!
Zaher3333@gmail.com

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى