السياسي لابد أن تكون له رؤية للمستقبل يبنيها ويستمد أبعادها من فهم عميق لتتابع الأحداث الحالية والماضية. وطبقا هذا التعريف على الحالة في إثيوبيا فلابد أن نخرج بعدة نتائج أولها أن محاولة تحويل إثيوبيا إلى القوة الأولى لأفريقيا على حساب مصر والسودان قد فشلت فشلا ذريعا وأنها حتى لو نجحت في بناء جسم السد فإنها خسرت الدولة نفسها. والدليل على ذلك أنها غرقت في حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس. ولا تستطيع دولة أن تتقدم وأهلها يتقاتلون بلا هوادة ولا توقف.
كما أن الحركات الانفصالية أصبح لها جيوش أقوي من جيش الدولة الأساسي ولعل المثال الأبرز الآن لهذا هو جبهة تحرير إقليم التيجراي التي كان آبى أحمد بنفسه أعلن الانتصار عليها. وأنها انتهت للأبد ورفض أي تدخل أو مفاوضات للتصالح معها. ثم بعد عدة أشهر يطالب المجتمع الدولي بالتدخل. لأن نفس هذه الجبهة قد أسرت من جنوده الآلاف وعرضتهم في شوارع التيجراي. ثم تحركت بعد ذلك واحتلت أجزاء هامة من إقليم الأمهرة الحليف الرئيسي للسفاح آبي أحمد الحائز على جائزة نوبل المزعومة.
وامتدت المعارك إلى أقليم ثالث هو أقليم العفر و أيضا تحركات عسكرية في إقليم بني شنقول واشتباكات على حدود جيبوتي بين إقليم العفر وقبائل العيسى كادت أن تصبح جيبوتي طرفا أساسيا فيها واستقبل السودان عشرات الآلاف من المهاجرين والمشردين نتيجة الحروب على أرضه رغم العداء الواضح الذي تظهره إثيوبيا لها .
حاولت فرنسا الدخول على الخط لبدء أي نوع من المفاوضات وفشلت وأيضا كندا و بالطبع الاتحاد الأفريقي لا حول له ولا قوة يملكها لوقف القتال بين الفرقاء والأقاليم المتناحرة. وتغيرت اللهجة الإعلامية الإثيوبية التي كانت ترددها دائما أن مشاكل أفريقيا تحل داخل البيت الأفريقي. وأصبحت تستجدي العالم والمنظمات الدولية التدخل لوقف انتصارات جيش إقليم التيجراي.
واختفت بشكل كبير حفلات الإاتفال بالسد وانتصارات الملء التي فشلت في توحيد العرقيات ضد مصر والسودان. مما أكد سقوط رهان آبى أحمد وعصابته على توحيد إثيوبيا من خلال صناعة عدو خارجي هما مصر والسودان. ووعود فارغة للشعب الإثيوبى بالكهرباء والتنمية. ولو كان ذلك على حساب حياة أكثر من مائة وخمسين مليون من البشر .
و أخيرا رفض وساطة السودان واتهمها بأنها تحتل أراضي إثيوبية. وهي تهمة تدل على أن إثيوبيا ليس لها موقف ثابت تجاه أي دولة. سواء من جيرانها أو من غير الجيران. لأن التنسيق كان على أعلى درجة في كل المجالات بينها وبين السودان. وكان الشعار الزائف إثيوبيا أخت بلادي يغطى جدران الحيطان في ربوع السودان. والآن أصبح السودان بالنسبة لهم لا يتمتع بالمصداقية. التي تؤهله للتدخل لحل النزاعات بين الفرقاء والحكومة الإثيوبية. بل وأعلنوا ذلك على لسان المسئولين الإثيوبيين صراحة وعلنا .
أما عن الاستثمارات الصينية والخليجية فقد دخلت في مرحلة الغموض خاصة في ظل التحرك الأمريكي بكامل قوته لحصار الصين وانسحاب قواته من كل القواعد وإعادة التمركز حول الصين وهي سياسة أمريكية معلنة يتم العمل عليها حاليا. كما أن الصراع الأيراني الأمريكي الإسرائيلي يتزايد بسبب محاولات إيران الحصول على القنبلة الذرية و أخيرا ضرب سفينة تجارية في الخليج العربي تحت إدارة إسرائيلية جعل الأجواء في الخليج جاهزة لتحركات عسكرية لو بدأت فستغير الكثير من مجريات الأمور في العالم كله مما يجعل من قضية الاستثمارات في إثيوبيا قضية ذات أولوية حاليا .
السؤال المطروح حاليا من يثق في آبي أحمد وحكومته حتى يتدخل لوقف الحرب الأهلية في إثيوبيا؟ وهل تقبل جبهة تحرير التيجراي التفاوض معه أصلا وهم منتصرون؟ كما أنهم لا يثقون به بعد الذل والمهانة والمجازر التي ذاقوها على أيدي قواته وحليفه الأريتري كما أن محاولاته الأخيرة التحالف عسكريا مع تركيا تعطى مؤشرا على أن آبي أحمد يفضل الحل العسكري على التفاوض مع قيادات إقليم التيجراي وهو ما يؤكد أنه ليس في الأفق القريب وقف لتلك الحرب الأهلية لأن مصر أيضا لن تقف مكتوفة الأيدي عند تدخل الأتراك في هذا الصراع ولديها الكثير من الأوراق على الأرض الذي يمكنها من لعب دورا كبيرا قد ينتهى في نهاية الأمر إلى إقرار حق تقرير المصير التيجراي و الأورومو و بني شنقول وتنتهى معه المغامرة الإثيوبية للسيطرة على أفريقيا على حساب الشعوب الأخري التى رسمها و نفذها سياسي مغامر اسمه آبي أحمد .
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا