نون والقلم

محمود دشيشة يكتب: سقوط العواصم العربية

التاريخ كائن متحرك و محصلة لصراعات الأمم.. و الأمة العربية تاريخها ممتد ملئ بالأحداث نعيش نحن الآن جزءا حاسماً من أيامها و حتى نري الأمر علي حقيقته لابد من الاعتراف أن العرب هم في أسوأ أحوالهم و لكنهم مروا بتلك الأيام العصيبة مرتين أمام التتار ثم أمام الحملات الصليبية و سقطت العواصم العربية كلها تحت الاحتلال.

بغداد و دمشق دائما قبل قاهرة المعز التي لم تسقط أمام التتار و لا الحملات الصليبية و خرجت منها منتصرة للأمة العربية و الإسلامية كلها ولكنها سقطت تحت الاحتلال البريطاني أكثر من سبعين عاما كاملة منذ ١٨٨٢ و حتى الجلاء في ١٩٥٤ وفي كل الأحوال كان للعدو رجاله داخل العواصم العربية يتعاونون معه و يتواصلون طمعا في مناصب يتولونها أو حكم هذه العواصم بعد احتلالها من هذا العدو.

و المثال الأكبر في هذا السياق الوزير أبن العلقمي الذي كان وزير الخليفة العباسي المستعصم بالله و خانه لصالح هولاكو و سلم الجيش العربي الإسلامي للتتار أملا في تولي الحكم بعد هذا الخليفة و لكن التتار نهبوا و سلبوا و خربوا بغداد و قتلوا أكثر من مليون نفس رجال و شيوخ و نساء و أطفال فسقطت الخلافة العباسية كلها ولم يستفد أبن العلقمي إلا الحسرة و الندامة و لم يهزم التتار إلا علي يد الجيش المصري بقيادة سيف الدين قطز في عين جالوت .

الآن بغداد أحتلها الأمريكان عام ٢٠٠٣ و كانت أغني الدول العربية  و كانت قيمة الدينار العراقي أعلي العملات العربية قبل أن تقع في فخ الحروب ضد إيران لثمان سنوات متصلة ثم خطيئة احتلال الكويت وهو مخطط أمريكي بريطاني صهيوني نجح بامتياز في إشعال الحرب بين العراق وورائه دول الخليج ضد إيران أستنزف العراق طوال حرب الثماني سنوات ثم زرعت الفتنة بين العراق و الكويت و كان رد سفيرة أمريكا أن الخلاف بينهما شأن عربي فبلع صدام حسين الطعم و أحتل الكويت و تم تحرير الكويت و دمر الجيش العراقي و سقطت بغداد و الآن دمشق تحت الوصاية الروسية و أجزاء منها تحت الاحتلال التركي و الجيش الإيراني يشارك بشار الأسد الحكم و أدارة البلاد و القواعد الروسية علي البحر المتوسط و سقط مئات الآلاف من السوريين و شرد الملايين خارج ديارهم و مازالت المأساة مستمرة .

العواصم العربية في الخليج تدار أزمتها الآن ضد إيران  بواسطة أمريكا و هي الحليف غير المؤتمن علي أشقائنا هناك فقد تخلص الأمريكان من صدام الذي كان يقوم بدور الحراسة للبوابة الشرقية العربية ضد إيران و أصبحت المطامع الإيرانية في دول الخليج علي أرض الواقع، و نجحت إيران حتى الآن في نشر قواتها في سوريا و قوات حليفة لها في اليمن و العراق و لبنان، و هو ما يعني أن وأد حلم القوات العربية المشتركة بقيادة مصرية كان الخطأ الكبير لأنه كان الحل لهذه الكارثة  فإيران و غيرها تعلم علم اليقين أنها لا قبل لها بحرب كل العرب و تحت قيادة عسكرية مصرية و لكنها تستطيع أن تفعل ما تقوم به الآن من ضرب ناقلات النفط و حرب الطائرات المسيرة ضد السعودية وخطف الناقلات لأنها تأكدت أن الأمريكان لن يخوضوا الحرب ضدها بالنيابة عن دول الخليج.

وها هي أمريكا تعلن عن مبادرة لتشكيل قوات دولية مهمتها حماية مضيق هرمز و باب المندب وهو إعلان صريح لأكبر قوة عسكرية في العالم أنها لن تحارب إيران وحدها و معها دول الخليج وهو ما يزيد من قوة الموقف الإيراني الذي هزمه الجيش العراقي  وقتها بدعم مصري في حرب الخليج الأولي و كانت القوات المصرية بقيادة المشير أبو غزالة رحمة الله عليه و الجميع يعلم هذه الحقيقة.

سقوط العواصم العربية لا يحدث إلا عندما يؤدي بعض الطامعين الطامحين دورهم في التفريط للغزاة ليتمكنوا من بلادهم طمعا في المغانم التي لن يحصلوا عليها و لن تسقط باقي العواصم العربية إذا تعلموا أن قوتهم في وحدتهم وإلا ضاعوا جميعا هكذا علمنا التاريخ، وأن الوقت يحتاج لمراجعة النفس قبل أن يحدث مالا يحمد عقباه لا سمح الله و الحل الوحيد هو القوات العربية المشتركة بقيادة مصرو الله من وراء القصد.

المزيد من المقالات للكاتب إضغط هنا

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى