نون والقلم

محمود دشيشة يكتب: روسيا وأوكرانيا ومستقبل العالم الغامض

استطاع الدب الروسي أن يفرض نفسه على كل وسائل الإعلام والفضائيات والتواصل الاجتماعي خبرا أول بشكل دائم منذ أكثر من شهر أدلى فيه كل خبراء الإستراتيجيات بدلوهم وحاولوا التنبؤ بخطوات روسيا بقيادة رئيسها فلاديمير بوتين وظنوا أن روسيا ستحشد ثم تجلس على مائدة المفاوضات لن تذهب للحرب.

ولكن الدرس الأول الذي قدمه بوتين هو أنه لا مجال للتفاوض أو المباحثات حول متطلبات الأمن القومي الروسي فقد كانت بداية الأزمة طلب روسيا من حلف الناتو بقيادة أمريكا التعهد كتابة بعدم ضم أوكرانيا للحلف لأنه يهدد روسيا بشكل صريح وواضح.

وكالمعتاد أخطأت أمريكا ومعها حلفائها التقديرات وظنت أن مجرد صدور تصريح منها لا يسمن ولا يغني من جوع بأن حلف الناتو لا يفكر في ضم أوكرانيا حاليا سيبرد نار الدب الروسي وسيهدأ بعده. ولكن روسيا أكدت أنها لن تتردد في حماية أمنها القومي ضد أية أخطار حتى لو واجهت أمريكا وحلف الناتو عسكريا. وانتقلت من مرحلة الحشد والمناورات إلى مرحلة الاعتراف بانفصال إقليمين من أقاليم أوكرانيا. بعد أن أعلن انفصاليو أوكرانيا أنفسهم كدولتين مستقلتين هما دولة لوجانسك ودولة دونستيك الشعبية. وأن روسيا قد اعترفت بهما ووقعت معهما اتفاقيات تتيح لها الدفاع عنهما بناء على دعوة من الدولتين الوليدتين. ثم المرحلة الثالثة دون انتظار بدء الهجوم العسكري الشامل بقصف المدن الأوكرانية والعاصمة كييف نفسها. وهو ما أظن أن كل التقديرات لأمريكا وحلف الناتو لم يتوقعوه وكانوا يظنون أنه حشد عسكري ومناورات ثم ينتهي.

وبذلك فإن سلاح العقوبات القاسية الاقتصادية على روسيا لم يمنعها من شن الحرب العسكرية على أوكرانيا ولا حتى إلغاء خط الغاز نورد ستريم 2 الذي كلفها 13 مليار دولار وكانت ستغذي به ألمانيا ولا التهديدات الصادرة من أمريكا ودول حلف الناتو وخاصة بريطانيا.

الدرس الثاني الهام المتكرر أن (المتغطي بأمريكا عريان) لأنها ستترك أوكرانيا تذوق ويلات الحرب على أرضها. ويسقط آلاف الضحايا من شعبها وسيكون هناك ملايين اللاجئين الأوكران لو امتدت الحرب لأسبوع أو شهر واحد.

وستكتفي أمريكا وحلف الناتو بإرسال الأسلحة للجيش الأوكراني إن استطاع الصمود في وجه الآلة الحربية الروسية الهائلة المواجهة له على أساس أن هذه الأزمة سيتم حلها من خلال الأمم المتحدة وجلسات مجلس الأمن. رغم أن أمريكا نفسها وحلف الناتو دمروا بجيوشهم من قبل العراق وسوريا وليبيا دون أن ينتظروا مجلس أمن ولا أمم متحدة لأنها منظمات شكلية بالنسبة لهم ولا تطبق قوانينها إلا على الضعفاء من الدول العربية ودول العالم الثالث. وهو ما يؤكد لأوكرانيا بعد فوات الأوان أن استغناؤها عن القوة النووية التي كانت بحوزتها. والاطمئنان لمظلة الأمان الأمريكية كان خطأ إستراتيجيا قاتلا. وقد تختفي معه دولة أوكرانيا إلى الأبد. وهو ما يجرنا إلى موقف مصر من خطر سد الموت الإثيوبي الذي يهدد وجود مصر كدولة قد تختفي إلى الأبد. لو ظل هذا السد يرتفع ويحجز المياه دون رادع أو أي تخوف إثيوبي من مصر. التي يحتل جيشها المركز العاشر عالميا من حيث الإمكانيات والتسليح والاستعدادات. وذلك قد يجعلنا نظن أن أمريكا أو أوروبا أو الدول العربية الداعمة لإثيوبيا. سترفع عنا هذا الخطر الذي يهدد وجود مصر نفسها. وهو ما يؤكد أن الاعتماد على الغير هو خطأ إستراتيجي مميت لا يصح أن تقع فيه الدول أبدا.

الدرس الثالث استغلال الفرص للعودة إلى مربع القوة عالميا أو إقليميا. وهو ما قامت به روسيا فقد عادت إلى مصاف الدول القوية العظمي بعد التفكك الذي حدث للاتحاد السوفيتي. وتحملت تبعاته روسيا. ويبدوا أنه قد حان الوقت لعودتها إلى الساحة العالمية لتصنع عصرا جديدا لتعدد القوي بمشاركة الصين التي قد تطمع هي الأخرى في ضم تايوان لها تطبيقا لمبدأ «صين واحدة» الذي تسعي لفرضه على أمريكا العدو الإستراتيجي لها على الأقل في المجال الاقتصادي.

ولازالت الأحداث تجري وتتسارع ولا أحد يعلم كيف ستنتهي ومن سيكون الرابح والخاسر. ولكنها قطعا ستبدأ عصر تعدد القوي عالميا فأين سيكون موقع مصر في هذا العالم الجديد.

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

 

t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

زر الذهاب إلى الأعلى