تابع الملايين في أنحاء العالم جلسة مجلس الأمن والتي ناقشت قضية سد الموت الإثيوبي. وهي تحتاج إلى عدة مقالات لتفسير وجهات النظر لكل الدول التي شاركت في الجلسة. ولكن الموقف الروسي و دعمه الواضح لإثيوبيا كان مفاجأة كبيرة للشعب المصري. الذي يرى في روسيا صديقا مقربا لمصر وهو ما يدعونا لتوضيح كثير من المواقف والقرارات الروسية. قد تبين لنا لماذا أتخذت روسيا هذا الموقف ضد مصر في قضية مصيرية تهدد وجود مصر كلها .
روسيا هي الوريث للاتحاد السوفيتي الذي كان ثاني قوة عظمى في العالم كله. وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي إلى عدة جمهوريات حاولت روسيا العودة إلى مقعد المنافسة عالميا. مع الولايات المتحدة الأمريكية. ولعلها تنافس حاليا بالفعل في صناعة السلاح بشكل قوى. وتحاول الخروج من إطار الدولة الروسية إلى إطار روسيا العظمى. ولعل دورها في مساعدة نظام بشار الأسد من السقوط في سوريا مكنها من العودة لتكون قوة كبيرة في كل أزمات الشرق الأوسط.
وقد حصلت بالفعل على قاعدتين عسكريتين على البحر الأبيض المتوسط في حميميم و طرطوس بسوريا. ولا سلطة على القاعدتين إلا للروس فقط. ولا يستطيع بشار الأسد نفسه دخول القاعدتين المقامتين على أرض سوريا إلا برغبة روسيا. كما شاركت روسيا بقوات غير نظامية في الصراع الليبي بقوات فاجنر المساندة للمشير خليفة حفتر ضد الميلشيات التى ملأت بها تركيا الغرب الليبي و طرابلس ولكنها للأن لم تحصل على المقابل في ليبيا فهي تسعى لوجود قواعد عسكرية لها أيضا في ليبيا وهو ما لن تقبله أمريكا وأوروبا لقرب ليبيا من الشواطئ الأوربية خاصة إيطاليا وهو ما يعنى أن روسيا تسعى لحصار أوربا عسكريا من عدة جهات. بالإضافة إلى أن الاكتشافات الضخمة للغاز الطبيعي فب البحر الأبيض المتوسط تعنى أن أوروبا لن تعتمد على الغاز الروسي بشكل كبير و هو ما يعنى خسارة اقتصادية كبيرة للروس في قطاع الغاز و مصر حتى الآن لا يبدو أن لها تنسيق مع روسيا في هذا الملف الحيوى كما أن مصر لن توافق أبدا على وجود قواعد عسكرية دائمة في ليبيا ورغم التعاون الكبير بين مصر و روسيا في مجال التسليح للجيش المصري و تنفيذ عقد اتفاق تنفيذ محطة الضبعة النووية لتوليد الطاقة أو المفاعل النووي السلمي بالضبعة و الذي تبلغ قيمته أكثر من 25 مليار دولار إلا أن روسيا منعت السياحة الروسية عن مصر عدة سنوات وحرمت مصر من مليارات الدولارات سنويا كانت تأتي من عائد السياحة الروسية بسبب سقوط الطائرة الروسية على أرض سيناء بواسطة الإرهابيين فى 2015 و هو ما أثر سلبيا على الاقتصاد المصري وفي نفس الوقت تتعامل مع تركيا بشكل مختلف تماما فرغم أغتيال السفير الروسي بالرصاص في أنقرة أمام العالم كله واسقاط طائرة مقاتلة روسية بوسائل الدفاع الجوى التركية إلا أنه لم يوقع أى نوع من العقوبات على تركيا بل و أمدها بأحدث طرازات الدفاع الجوى الروسي إس 400 ولم يتخذ قرار عقابى واحد ضد تركيا .
المعركة العالمية الحالية هى حصار أمريكا و الناتو الأوروبي للصين و حليفها الروسي وقد بدأت مناورات ضخمة لأمريكا و حلفائها على حدود روسيا في البحر الأسود وبدأت الاحتكاكات بين السفن و البوارج الحربية والطائرات لكلا الطرفين وكلنا يعلم حجم الاستثمارات الصينية الكبيرة في إثيوبيا وقد يكون الموقف الروسي الداعم لإثيوبيا مناصرة للصين صاحبة النفوذ الاقتصادي في إثيوبيا أو أن الموقف المصري قد وصل إلى حد التنسيق مع تركيا مخلب القط الأمريكي دون النظر إلى المكاسب التى تريدها روسيا في الملف الليبي وأولها وجود قاعدة عسكرية دائمة على غرار ما حصلت عليه في سوريا هو ما دعاها لأخذ هذا الموقف العلنى ضد مصر والمحصلة أنه رغم العلاقات العسكرية المميزة التي عادت بين مصر وروسيا إلا أن روسيا ضحت بكل ذلك ووقفت بجانب إثيوبيا علنا وهو ما لم يكن في حسبان أحد من المتابعين لملف أزمة سد الموت الإثيوبى وفي نهاية الأمر فأن المعركة الدبلوماسية التي دارت في مجلس الأمن تحتاج من مصر لدراسة الموقف وإعادة تقييمه وإتخاذ ما تراه مناسبا للتخلص من الحبل الذى يلف عنق مصر و المسمي سد النهضة الأثيوبي .
و تاريخيا لابد أن نتذكر أن روسيا أول من أعترف للكيان الصهيوني بأنها دولة عام 1948 وساهمت بكل قوة في الاحتلال العصابات اليهودية لدولة فلسطين كما أنها رغم التحالف الإستراتيجي بينها و بين مصر إلا أنها ضللت الزعيم عبد الناصر قبل نشوب حرب الخامس من يونيو 1967 بأن إسرائيل تحشد على جبهة الجولان في حين أن القوة الأكبر من القوات الإسرائيلية كانت على حدود مصر وهو ما دفعت مصر ثمنه من دماء الآلاف من أبناء الجيش المصري الذي تحطمت معظم معداته وطائراته ثم ذاقت مصر المرار للحصول على السلاح من الاتحاد السوفيتي لتعويض خسائرها وبناء الجيش للاستعداد الحرب أكتوبر 1973 ولعل الزعيم الراحل محمد أنور السادات طرد الخبراء الروس لأنه كان يعلم أن روسيا تريد مصر ضعيفة مهزومة حتى تظل دائما تدور في فلكه لا تستطيع الإبتعاد عنه أو عن تنفيذ قراراته و هو يعني أن روسيا لم تكن الصديق الوفي لمصر خاصة في وقت الأزمات الكبيرة وليس هناك أكبر من تلك الأزمة في تاريخ مصر الحديث.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا