نون والقلم

محمود دشيشة يكتب: العمالة المصرية في زمن الدويلات

كانت حرب السادس من أكتوبر فتحا مبينا و نصر من الله علي كل العرب سواء من شارك فيها و من لم يشارك فقد حولت مسار الثروة من الغرب الي الشرق كما قال هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي و مستشارا للأمن القومي و داهية السياسة اليهودي المعروف و هكذا فتح الله علي كل العرب في الخليج أنهارًا من النعم و الأموال لا تنقطع ليلًا و لا نهارًا بعد أن وصل سعر برميل البترول الي عشرة أضعافه قبل حرب أكتوبر، وتغير الحال تمامًا و بدأت الطفرة في كل نواحي الحياة في كل دول و دويلات الخليج العربي بناءً و تشييدًا و موانئ و مطارات و بيوتًا فارهة و قصورًا عامرة و بدأت ظاهرة هجرة المصريين الي خارج مصر للعمل وهو مالم يكن معروفًا عن المصريين قبل ذلك .

كانت السياسة في مصر في هذا الوقت منصبة علي مباحثات السلام و استكمال تحرير سيناء بالمفاوضات و بدء الاصلاحات لمرافق مصر التي أهملت بسبب الأولويات حيث كان شعار لا صوت يعلو علي صوت المعركة هو السائد و خرجت مصر بعد حرب أكتوبر و اقتصادها منهك بسبب تعدد الحروب علي فترات قريبة من بعضها بدءا من حرب ١٩٤٨ ثم العدوان الثلاثي ١٩٥٦ ثم حرب اليمن والتي أعقبها نكسة يونية ١٩٦٧ ثم حرب الاستنزاف ثم حرب السادس من أكتوبر ١٩٧٣ و قد كانت العلاقات بين الدول العربية علي أحسن أحوالها ثم بدأت التوترات بين الدول العربية و مصر بعد توقيع السادات رحمة الله عليه اتفاقية كامب ديفيد سنة ١٩٧٩ و التي رفضتها الدول العربية.

و أسست جبهة الرفض و تزعمها صدام العراق و الأسد سوريا و الجزائر و الحسين الأردن و تونس التي تم نقل مقر جامعة الدول العربية إليها ولكن ظلت معاملة العمالة المصرية علي أفضل ما يكون عدا قذافي ليبيا الذي أرسل العمالة المصرية الي حدود مصر و تصدي له الرئيس السادات و لقنه  درسا قاسيا و بعدها  اغتيل الرئيس السادات في العرض العسكري علي يد الجماعات المسلحة المسماة بالإسلامية ثم تولي مبارك الحكم لثلاثين عامًا كاملة كان يبتعد فيها عن كل أحداث العالم و عن أفريقيا تحديدا و علاقاته بالدول العربية تكاد تقتصر علي طلب المعونة الاقتصادية منهم و أسس الفساد و نظمه فكان يلتهم كل ما كان يصل مصر و كل ما كانت تنتجه مصر مقصورًا علي حوالي مائة عائلة مصرية يمتلكون زمام الاقتصاد المصري كله.

و خرجت مصر من دورها القيادي المعتاد و تركت فراغًا سياسيًا و عسكريًا هائلًا في الشرق الأوسط فبدأت كل دول المنطقة تملأ هذا الفراغ و تبحث عن دور القيادة للمنطقة و قد خرج مبارك في تصريح له في هذه الفترة أن إحدى هذه الدول الحديثة العهد بالتاريخ هي الشقيقة الكبري لمصر و هو ما كان تصريح رسمي بأن مصر تتضاءل و تنزوي و أصبحت في مقاعد المتفرجين ثم اجتاح العراق الكويت و ضمها إليه كمحافظة من محافظاته و شرد أهله و هنا احتاج الأمر للجيش المصري فشارك في مقدمة الصفوف بأفضل قواته لتحرير الكويت و التي تشرد أهلها في كل الدول و منها مصر ثم عادت الكويت و تم تعميرها و عادت مصر لمقاعد المتفرجين علي ما يحدث في الشرق الأوسط كله و تكتفي ببيانات الشجب و الإدانة أو بيانات الإشادة و انعكس كل ما سبق علي أوضاع العمالة المصرية بالخارج فبعد أن كانت العمالة المصرية تلقي كل الترحيب و الاحترام في كل الدول العربية بدأت المعاملة تتغير لأن وزن مصر النسبي قد تلاشي تقريبًا و كان المصري لا يعامل بكرامة داخل بلده مصر فكيف سيجدها خارجها.

و أصبحت حقوق و كرامة كل المهن المصرية العاملة بالخارج لا تجد من يدعمها أو يحفظها من أجهزة ووزارات الدولة بحجة الحفاظ علي علاقاتنا بالأشقاء العرب بل ووصلت عشرات النعوش للعمالة المصرية بالعراق الي مصر بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية الي مصر و لم تتخذ مصر أي موقف تجاه ما يحدث من العراقيين ضد العمالة المصرية و راحت أرواح المصريين هدرا رغم أن الدعم العسكري المصري كان حاسما في صمود العراق أمام الجيش الإيراني في هذه الحرب التي استمرت ثماني سنوات .

الأن هناك  دولًا ودويلات عربية يسكنها تنظيم الإخوان المتأسلمون تعمل علي تفتيت الدول العربية الأخرى تقربًا من إسرائيل و تحت حمايتها و حماية الأمريكان بل و يعملون ليلًا و نهارًا علي تأليب الشعوب و بث التفرقة بينهم من خلال التفرقة بينهم في الدين مسلم أو مسيحي أو تفرقة من خلال المذهب سني أم شيعي أو من خلال القومية كردي أو عربي أو علوي المهم أن لا يهدأ التناحر و للأسف يمارس هذه السياسات دولًا و دويلات بعضها لا قيمة له ولا وزن حتي سنوات قريبة ثم أكتشف أنه يستطيع باستخدام أمواله أن يلعب دورا لحساب إسرائيل فتكون له أهمية أو هكذا يتصور أن له أهمية و أن له صوت عالي من خلال فضائيات أو من خلال عملاء موالون له منتظرين منه الدعم بالمال و السلاح أو بإشعال الفتن دون أن يظهر و كل أمله أن تسقط الدول الكبري و تتفتت و يصبح الجميع أصفارًا علي الشمال مثله و قد نجح هذا المخطط في تفتيت العراق و سوريا و أصبح العراق من الدول الفقيرة بعد أن كان أغني دولة خليجية و كان له جيش يخشي منه العدو الإسرائيلي فأنتهي بعد المغامرة التي قام بها صدام و للأن مازالت سوريا داخل مخطط التشريد و أصبح الروس و الإيرانيون و الترك هم من يتحكمون في مصيره و مصير أبنائه .

الوضع الحالي للعمالة المصرية يتطلب من مصر أن تحافظ علي حقوق و كرامة العمالة المصرية في كل الدول العربية لأن هذا حق كل مصري يعمل بالخارج و يجب أن يكون الاحترام متبادل بين الدول لا أن يكون الحرص من مصر فقط و بقية الدول تتعامل بـ«جليطة » و تتصور أننا سنقبل منها تلك الإساءات و عليها أن تعلم أن كل من استجار بمصر لقي كل الترحاب أما من يتعمد إهانة مصر و المصريين فلن ننقذه و لن نستقبله ،وأننا نعلم أن مصر باقية خالدة الي يوم القيامة و إننا كمصريين في رباط الي يوم الدين .

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

زر الذهاب إلى الأعلى