نون والقلم

محمود دشيشة يكتب: البحث العلمي و الأمن القومي العربي

هناك مجموعة من العناصر لابد من توافرها لأي بلد في العالم حتى يستمر في الوجود و يحافظ علي حدوده و حقوقه هي العلم و القوة و الحق هكذا تعلمنا وعلمنا .

تأخر العرب في العلم فدفعوا الثمن من ثرواتهم التي منحها الله لهم و يدفعون أموالهم مقابل السلاح الذي يشترونه من أعداءهم و دفعوا الثمن من أراضيهم فأحتل اليهود فلسطين، و احتلت أسبانيا سبتة ومليلة من المغرب، وانسلخ جنوب السودان عن شماله، واحتلت إيران الجزر الإماراتية طنب الكبرى وطنب الصغرى و أبو موسى، والآن يتم تمزيق سوريا لصالح روسيا و إيران و تركيا و إسرائيل، و مازالت الحرب تعصف باليمن و الصومال،  فهل كان العلم سيمنع هذا التمزق للدول العربية .

أقولها بكل صراحة ووضوح نعم .. لماذا لأن كل ما نستخدمه من تكنولوجيا و إنترنت و فيسبوك وواتس أب و جوجل و غيرها هي سيل من المعلومات عن عاداتنا و وتقاليدنا و أسرارنا الحكومية و الشخصية يتلقاها اليهود و الغرب لحظة بلحظة علي أجهزتهم،  و يتم تحليلها و الاستفادة منها في تمزيق البلاد و بث الفرقة ولو نظرت لوجدت أننا في مصر مثلا زاد التعصب في المجال الرياضي إلى درجة تكاد تصل إلى حد الفتنة و التراشق بالألفاظ و السباب، رغم أن الرياضة أصلاً تتعلم منها البشرية التسامح، و أنه لا منتصر دائماً ولا مهزوم دوماً، كما انتشرت الأكاذيب علي برامج التواصل الاجتماعي لدرجة أنك تبحث عمن تثق به حتى تتأكد من الأخبار الصحيحة، لأن هناك من يبعث بالأكاذيب علي مدار الساعة، وهناك كتائب إلكترونية تؤكد تلك الأكاذيب حتى يصل الأمر بالقارئ إلى التشتت و التمسك بالكذب على أنه هي الحقيقة .

كان للتأخر في البحث العلمي ثمناً باهظاً دفعته كل الدول العربية، وكان هناك أمل للبدء في اللحاق بركب التكنولوجيا حتى الثمانينات من القرن الماضي، و كان العرب أغنياء جداً لدرجة أنهم كانوا يستطيعون بسهولة استثمار مليار أو عشرة مليارات في عمل برنامج عربي منافس لمايكروسوفت ٣.١ و هو أول إصدار لها في طبعته الأولي و كان لدينا الكوادر العلمية العربية التي تستطيع النهوض بهذا البرنامج، ومن الطبيعي تطويره فيصبح لدينا برامج تواصل عربية تديرها الدول العربية و ليست أمريكا و إسرائيل فنحافظ على أسرارنا التي نصبها إليهم علي مدار اللحظة .

كانت هناك محاولات عربية عديدة جرت في تسعينيات القرن الماضي للبدء في تطوير البرمجيات و الاستفادة منها، وكان لشركة صخر الكويتية جهوداً مشكورة قبل أكثر من عشرين عاماً، و لكنها تعرضت لتفريغها من الداخل حتى لا تستطيع استكمال دورها في تطوير البرمجة و البرامج العربية، و في نفس الوقت كان هناك أكثر من عشرين شركة مصرية قوية في مجال تطوير البرمجيات سواء كانت قواعد بيانات أو تعليمية أو برامج تعليم الأطفال أو برامج الصناعات انتهت غالبيتها بالتصفية، أن لم تكن كلها لأننا في مصر لم ندعم هذه الشركات التي كانت بداية حقيقية للتكنولوجيا العربية، وكان ينقصها أن تتعامل معها الدولة على أنها أمن قومي قابلة للتطوير، و قد تصل قيمتها إلى مئات المليارات من الدولارات لو استثمرت فيها الدولة، و قد قابلت تلك الشركات صعوبات مالية عديدة لأن دولنا العربية فضلت أن تدعم المنتج الأجنبي عليها، وتشتري البرامج جاهزة فتحولنا إلى مستخدمين فقط لأي تكنولوجيا فأصبحنا من وقتها و إلى الآن مجرد مستخدمين للتكنولوجيا .

لم يكن هناك أي دعم لتلك الصناعة التي هي أمن قومي قبل كل شيء، و أصبح كل ما حولنا يدار بالكمبيوتر وأصبح تقدم اليهود في التكنولوجيا هو الحصان الرابح لها الذي يجعل كل الدول تسعى لعقد التحالفات معها، وعلى رأس هذه الدول تركيا المسلمة و روسيا التي كانت الداعم الرئيسي للعرب و دول أفريقيا التي كانت خلف الدول العربية دعما لقضيتها الأساسية وهي تحرير فلسطين و المسجد الأقصى، كذلك الصين التي أصبحت  تسعي حثيثاً وراء التكنولوجيا الإسرائيلية كلها تغيرت مواقفها بسبب احتياجاتها منها .

التكنولوجيا هي عصب صناعات السلاح و الدواء و الزراعة و المياه وكل الشركات الأمريكية و الأوربية و الإسرائيلية أصبحت تقدر بتريليونات الدولارات بسبب هذا التقدم العلمي و التكنولوجي، ولعل شركات جوجل و فيسبوك وواتس أب وأوراكل أكبر دليل علي ذلك ولازالت أمامنا الفرصة للحاق ركب البحث العلمي والتكنولوجيا لو بدأ تحالف مصري إماراتي كويتي كبداية لامتلاك لغة برمجة عربية ننتج بها برامج تشغيل و برامج قواعد بيانات و انترنت كفيلة بإنهاء احتكار الغرب و اليهود للتكنولوجيا، و قد اخترت هذه الدول الثلاث لوجود خبرات حقيقية و محاولات سابقة لإنشاء منظومات العمل التكنولوجية و كذلك علماء البحث العلمي و التمويل اللازم فهل هناك من يسمع و يأخذ القرار أما نكتفي بأن نكون مستخدمين لما يلقون إلينا من برامجهم و يظل أمننا القومي العربي بلا غطاء يحميه.

للمزيد من مقالات الكاتب أضغط هنا

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى