نون والقلم

محمود دشيشة يكتب: الأقصى.. الرابحون والخاسرون

كلنا على يقين أن المعركة بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني المحتل الغاصب لفلسطين لم تنتهِ، وأن تلك المعركة التي انتهت بوقف إطلاق النار برعاية مصرية، كانت حلقة من حلقات الصراع بين الخير والشر في الشرق الأوسط. ولكن هذه الجولة كانت المقدمات قبلها هرولة للتطبيع، وإجراءات سريعة لفتح السفارات، وفتح الحدود أمام الصهاينة. ولكن ما دار بعد ذلك ترك العديد من الدروس الهامة وترك العديد من الرابحين والخاسرين.

كان في مقدمة الرابحين مصر التي عادت لموقع القيادة كموضع طبيعي يتناسب مع ما تتمتع به من مقومات لا تتوافر لغيرها من الدول التي تظن أنها تستطيع أن تملأ الفراغ إذا غابت مصر. وهو ما جعل كثير منها يختفي عند حل هذه الأزمة الكبيرة. وأيضا ربحت المقاومة الفلسطينية المعركة ومعها كل من حاول التدخل حقنا للدماء الفلسطينية، ووقفًا للعدوان الذي بدأ بمحاولة تهجير الفلسطينيين من حي الشيخ جراح بالقدس والاعتداءات على المسجد الأقصى من المستوطنين الصهاينة بحماية الجيش والشرطة، مما فتح الباب على مصرعيه للدفاع عن الأرض والمقدسات ضدهم. وسرعان ما اتسعت بؤرة الصراع وأصبحت بين المقاومة الفلسطينية بكل أطيافها وبين الجيش الإسرائيلي بكل ما يمتلك من سلاح وعتاد وتكنولوجيا، والمعركة في ظاهر الأمر لا يبدو فيها أي نوع من التكافؤ في الإمكانات إلا أن صواريخ المقاومة الفلسطينية وصلت إلى قلب تل أبيب وعسقلان وأشدود وبئر السبع ووصل مدى صواريخ المقاومة إلى أكثر من مائتين وخمسين كيلو متر في مفاجأة كبيرة، لم تستطع معها تكنولوجيا صواريخ القبة الحديدية التي كانت تتباهى بها إسرائيل التعامل معها بكفاءة و قصفت مناطق اقتصادية في غاية الأهمية. وأوقفت العمل بها مثل منصات التنقيب عن الغاز قبالة سواحل غزة وقصف المشروع الإسرائيلي الإماراتي لنقل البترول عبر الأنابيب. وهو المشروع الذي يسعى لإضعاف قيمة وأهمية قناة السويس وتم قصف مطار بن جوريون وغيره من المطارات، وأعلنت العديد من شركات الطيران العالمية وقف رحلاتها تماما لحين توقف القصف بالصواريخ للمطارات ورغم مئات الغارات الجوية على غزة وتسوية الكثير من المباني بالأرض وسقوط أكثر من ٢٤٠ شهيدًا؛ منهم الأطفال والنساء والشيوخ وأكثر من ١٩٠٠ إصابة إلا أن المقاومة لم تهدأ، ولم تتوقف حتى تدخلت مصر بكل ثقلها لوقف القتال. كما فتحت المعبر لدعم المقاومة الفلسطينية بالدواء والأطباء والغذاء رافضة المطالب الإسرائيلية بغلق المعبر. كما أن الجيش الصهيوني تأكد من أن محاولة تطوير الهجوم بريًا سيكبده خسائر بشرية لن يستطيع تحملها، وخاصة أن إطالة أمد الحرب هي نقطة ضعف له. كما أن حالة الرعب التي عاشتها إسرائيل والعودة لحياة الملاجئ تحت الأرض لهم كانت عنصر ضغط كبير على صانعي القرار الصهيوني.

أما عن الخاسرين فأولهم نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، الذي كان يبحث عن انتصار يرفع بها اسمه، ويغطي به على فضائحه بتهم الفساد، والتي قد تصل به إلى أبواب السجون في هذه القضايا. كما خسرت كل الدول العربية التي كانت متضامنة معه أو صمتت وكأن الأمر لا يعنيها أو كانت فضائياتها تساوي بين الطرفين، وتعتبر من يسقط من الطرفين قتيلًا، وتدعو الطرفين إلى وقف التصعيد في مساواة واضحة بين الطرفين. كما أن الأطراف الخاسرة فوجئت بالموقف الشعبي الداعم لحق الشعب الفلسطيني، والمدافعة عن المسجد الأقصى، وكان للسوشيال ميديا دور كبير في شحذ الهمم ورفع المعنويات للمقاومة الفلسطينية. كما خسر موقع فيس بوك المعركة أيضًا، وتهاوى تقييمه يومًا وراء الثاني بسبب الانحياز الصارخ لإدارته للصهاينة، وغلقه لكثير من الصفحات المؤيدة لفلسطين.

كما كان في صفوف الخاسرين أردوغان الذي لم يكن له دور يذكر في دعم المقاومة الفلسطينية سوى بعض التصريحات التي لم يكن لها أي تأثير في حل هذه المعركة، التي كان أساسها الدفاع عن المسجد الأقصى والقدس، رغم أنه أضاع وقتًا طويلًا منه ومن مريديه؛ لرسم صورة له أنه أمير المؤمنين المدافع الأول عن المقدسات الإسلامية. ولكن هذا الاختبار القاسي أخذ به إلى زاوية النسيان، وراحت دعاياته أدراج الرياح، وكالمعتاد كانت جامعة الدول العربية ضعيفة ورد فعلها لا تخشى منه إسرائيل شيئًا، وحاولت الأمم المتحدة القيام بدور ما، ولكنها في نهاية الأمر لا يصدر منها إلا قرارات لا تقدم ولا تؤخر ولا تنتصر لمظلوم. ولكن القضية الفلسطينية عادت مرة أخرى؛ لتؤكد أنها تستطيع أن تحرك كل الشعوب العربية، وهذا الربح الأهم في هذه الجولة من الصراع بين الخير والشر الذي سيستمر حتى يأذن الله بتحرير المسجد الأقصى وكل فلسطين من النهر إلى البحر.

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

–  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى