نون والقلم

محمود دشيشة يكتب: الأخلاقيات في المجتمع المصري

المجتمع يتكون من مجموعة كبيرة من الناس داخل أطار محدد قد يكون القبيلة أو الدولة أو العقيدة و المذهب .. اليوم نتناول المجتمع المصري الذي تحكمه الدولة و قوانينها والذي ولدنا وعشنا فيه نحن وآباؤنا وأجدادنا وأولادنا.

كان للمجتمع المصري عادات وتقاليد وقوانين يراعيها كل من يعيش علي أرض المحروسة ولو رجعنا للوراء لقرن واحد فقط سنجد أن الشعب المصري كان كتلة واحدة حقيقية رغم أن فئات المجتمع كانوا مسلمين ومسيحيين ويهود، ولو قرأنا التاريخ خلال هذا القرن المنقضي سنجد أن ثورة ١٩١٩ كانت نموذجا حيا جمع كل المصريين ضد عدو واحد هو المحتل الانجليزي، الذي أحتل مصر منذ ١٨٨٢ وحاول تفكيك الشعب إلي طوائف وأغلبية وأقليات ويلغي اللغة العربية كما فعل مع كل الدول التي أحتلها فلم يفلح ووجد أن كل فئات المجتمع ضده رجالا ونساء وأولاد  وأغنياء وفقراء وأغلبية الطبقة السياسية.

وكان الارتباط بالوطن سمة غالبة فقد كان المصري لا يهجر أرضه ولا بلده ليعيش في دولة أخري بل العكس هو ما كان يحدث فقد أستقبل المصريون علي أرضهم كل الملل والجنسيات أتراك ويونانيين وأرمن وشوام، وكان المجتمع مقسوما بين طبقة الباشوات والبكوات التي تتبع الأسرة المالكة وتعيش في رغد وبحبوحة من العيش وطبقة عامة الشعب من عمال وفلاحين وموظفين، وكانت طبقة الموظفين مميزة في هذه الفترة فقد كان مرتب الثلاثة جنيهات في الشهر يكفي لمعيشة الأسرة حتى نهاية الشهر، وأستمر المجتمع المصري بهذه التقسيمة حتى قيام ثورة يوليو ١٩٥٢ وكان لمصر عظماء في مجالات السياسة والصحافة والفن والغناء والرياضة والاقتصاد والدين وكل مجالات الحياة فقد كانت مقومات خروج النوابغ متاحة .

بعد قيام ثورة يوليو طرأ علي المجتمع المصري الكثير من التغيرات أولها إغلاق كل الأحزاب السياسية وعلي رأسها الوفد الذي كان يمثل الكتلة الشعبية في هذا الوقت وتم فصل الأزهر عن الأوقاف فقد كان للأزهر دورا كبيرا في تحديد أو دعم من يتولي أمور البلاد وزاد الاهتمام بطبقة العمال والفلاحين وتسليح الجيش، وأصبح الإعلام والفن موجها لخدمة الثورة ورجالها وتمدد النفوذ المصري إلي كل أفريقيا وكل الدول العربية وزاد التدخل العسكري المصري ووصل حتى الكونغو ونيجيريا ودعم الجزائريين في مواجهة الاحتلال الفرنسي مع وجود المواجهة الأساسية ضد الكيان الصهيوني الذي تم زرعه بالقوة ليحتل فلسطين ذلك البلد العربي الذي يقع علي حدود مصر ويربط الدول العربية في آسيا وأفريقيا لوقوعها جغرافيا في منتصف الدول العربية، وما طرأ علي المجتمع المصري هو اختفاء الطبقة الأرستقراطية التي عملت ثورة يناير علي إلغاء وجودها ومصادرة ممتلكاتها، وظل التعليم علي جودته حيث كان المعلم لا يزال يعيش مستورا بمرتبه الذي كان يكفيه حتى نهاية الشهر، وكان الشعب يعيش علي صوت الزعيم الأوحد جمال عبد الناصر وكانت الكتلة السياسية هي الاتحاد الاشتراكي، وزاد الصدام بين عبد الناصر والقضاء والصحفيين في هذه الفترة وكذلك تنظيم الأخوان المسلمين الذي زرعته بريطانيا عام ١٩٢٨ لشق المجتمع المصري وأصطدم مع الدولة المصرية في عهد الملك فاروق ثم تحالفوا مع الضباط الأحرار ضد الملك ثم اصطدموا مرة ثانية مع الدولة في عهد عبد الناصر، وحاولوا اغتياله فملأ بهم السجون .

ثم حدثت النكسة في يونيه ١٩٦٧ وتلاها التخلص من عبد الحكيم عامر قائد الجيش المصري، ورفاقه وإعادة تسليح الجيش و الاستعانة بالكفاءات العسكرية التي كانت معطلة تماما وقادت هذه الكفاءات العسكرية حرب الاستنزاف الذي أذاقت العدو الصهيوني خسائر كبيرة بحث بسببها علي وقف لإطلاق النار مع مصر وطرأ علي المجتمع المصري تطور هام هو الاستعانة بالجنود الذين تلقوا التعليم ومنهم الجامعيون ولكن من كان يتم تجنيده يستمر سنوات طويلة مجندا دون تسريح من الجيش وهو ما كان له تأثيره علي المجتمع ولكن كان الشعار العام لا صوت يعلوا علي صوت المعركة، وتوفي عبد الناصر وترك سيناء محتلة وأصبحت حالة اللا سلم و اللا حرب هي المسيطرة، وتولي الزعيم السادات مقاليد الأمور بعد عبد الناصر وسنتابع في مقالات أخري ما حدث للمجتمع المصري فيها .

 

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى