نون والقلم

محمود دشيشة يكتب: إثيوبيا تحت الحصار

كل من يتابع ويراقب الصراع بين مصر والسودان في جهة وإثيوبيا في جهة أخرى يعلم أن هناك مسلمات كثيرة لا نقاش فيها منها أن الدولتين تدافعان عن حياة الشعبين وعن وجودها وأنه لن يكون هناك حل من الخارج بل سيكون الحل من خلال الدولتين وأن نتيجة الصراع سيكون تأثيرها مباشر على كل دول النيل وسيمتد إلى كل دول الشرق الأوسط بل وعلى الصراع بين أمريكا والصين في أفريقيا وأن إثيوبيا استطاعت بناء السد واستهلاك عشر سنوات من المفاوضات العبثية التي لا قيمة لها والتي كانت محصلتها صفر كبير وأن إثيوبيا لديها أخطاء استراتيجية في تقدير قوة مصر السياسية والعسكرية كما أن القوة السودانية العسكرية تستعيد قوتها وانتصاراتها واستعادت بالقوة المسلحة أكثر من تسعين بالمائة من الأراضي التي تستعمرها إثيوبيا منذ أكثر من ربع قرن وأقوى هذه المسلمات أن إثيوبيا لا أمان ولا عهد لها وأنها لا تحترم حقوق الجوار ولا الاتفاقيات ولا المعاهدات بكافة أنواعها.

أما الأمور التي سيكثر فيها النقاش فهي توقيت المواجهة مع إثيوبيا فالبعض وصل في تصوره أن الأمور قد انتهت وأن السد أصبح واقعًا مفروضًا وأن الوقت قد فات وأن إثيوبيا تملك زمام الأمور والدليل تصرفاتها كلها الرافضة لأية حلول أو اقتراحات تعرضها مصر أو يطلبها السودان كما لا تبدو في الأفق أية بوادر لحلول أخري تحفظ حقوق مصر والسودان في مياه النيل وهو رأي له وجاهته ولكن ما زالت هناك خطوات لو بدأ العمل بها سيتغير الموقف كليا منها إعلان السودان بطلب رسمي عودة إقليم بني شنقول طبقا لنصوص اتفاقية ١٩٠٢ والتي تنص على منح إثيوبيا هذا الإقليم مقابل عدم بناء سدود علي النيل وهو ما بدأ الحديث حوله منذ أيام قليلة في الخطاب السوداني الموجه لإثيوبيا إلى جانب أن القبائل في الإقليم ما زالت عربية و ترغب في العودة للسودان أو الاستقلال عن إثيوبيا وهناك حركات معارضة مسلحة تعمل علي الأرض ضد الجيش الإثيوبي الفيدرالي من الممكن دعمها و الجميع يعلم أن إثيوبيا ورطت نفسها في حرب داخلية ضد إقليم التيجراي واستعانت بالجيش الأريتري ضدهم و مارسوا أبشع أنواع التعذيب والتشريد والاغتصاب ضد أهل الإقليم كما تأجلت الانتخابات فيها أكثر من مرة بسبب اضطراب الأوضاع السياسية و الصراعات بين العرقيات.

أما عن الموقف المصري فالجيش المصري بكل تخصصاته الجوية والقوات الخاصة والبحرية والدفاع الجوي وغيرها في السودان على الحدود مشاركا في مناورات حماة النيل وهي مناورات لها دلالات في هذا التوقيت تحديدًا فهي رسالة من مصر والسودان بأن الحقوق إن لم تأتِ بالاتفاق فالقوة كفيلة باستعادتها وعلى الباغي تدور الدوائر كما أن اتفاقيات التعاون العسكري التي تم إبرامها بين مصر و كل الدول المحيطة بإثيوبيا – عدا الصومال وأريتريا حتى الآن – توضح أن تجهيز مسرح العمليات يتم بخطوات ثابتة تحسبا لأسوأ الافتراضات ومن الواضح أن إثيوبيا تظن أنها ستواجه الجيشين المصري والسوداني وأن جيشها سيستطيع الصمود أمامهما وهو ظن لا يرقى للحقيقة من قريب أو بعيد في رأي الشخصي.

أما ما يثار عن الاستثمارات الصينية والأمريكية والخليجية في إثيوبيا فهناك استثمارات لهؤلاء في مصر أكبر مما في إثيوبيا كما أن العالم كله يعلم الصراعات الداخلية بين العرقيات في إثيوبيا وأيضا المشاكل التي خلفتها بناء السدود الإثيوبية مع كينيا والصومال وجيبوتي وتسببت في تهجير وتشريد عشرات الآلاف من المزارعين بسبب جفاف الأنهار في تلك البلاد، ولكن الأمر يختلف بكل المقاييس في حالة نهر النيل مع مصر و السودان ولن يكون لعنصر الاستثمارات تأثير يذكر في حالة وصول الأمر للحلول العسكرية لأن مصر لا بديل لها عن نهر النيل فهو شريان الحياة والسودان لن يستطيع العيش تحت تهديد السد إما غرقا لو فتح عليهم بوابات السد أو جفافا لو أرادت إثيوبيا منع وصول المياه أما عن الدور الأمريكي في محاولاته للعودة لطاولة المفاوضات فهي محاولة وضيعة من عدو لدود لكل الأمة العربية لضياع بقية الوقت القليل المتاح للتحرك وكلنا يعلم أن الوفود الثلاثة كلها كانت في أمريكا وبرعاية أمريكية ووقعت مصر علي الاتفاقية هناك وانسحب الوفد الإثيوبي فماذا فعل الأمريكان معهم ؟ الإجابة ولا شيء وهو ما يؤكد أن من ينتظر الحل لهذه الأزمة من خارج مصر و السودان فهو واهم ولا يمكن للقيادة السياسية لأي من البلدين الركون إلى الموقف الأمريكي حتى لو فرض بعض العقوبات التي لا تسمن ولا تغني من جوع على إثيوبيا بسبب الممارسات والجرائم التي يمارسها نظام آبي أحمد و أعوانه على إقليم التيجراي.

أنا أثق في جيشي والقيادة السياسية وأعلن لهم أن مصر كلها خلفهم في معركة الحفاظ على حياة مصر نهر النيل ورد العدوان الإثيوبي على مصر و السودان وسنسير معا إلى نصر من الله مبين بإذن الله.

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

–  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى