نون والقلم

محمـود زاهـر يكتب: الأراجوز

بعد إدراج واعتماد «الأراجوز» في مصر على قوائم التراث الثقافي غير المادي.. أعاد قرار منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «يونسكو»، إلى الأذهان ملامح انحسار ذلك الفن الجميل، الذي يعود إلى العصر المملوكي «1250 ـ 1517م».
منذ سنوات، كانت عروض «الأراجوز» تمثل نوعًا من إضفاء البهجة والسعادة، لكنها اختفت «تقريبًا»، بسبب نُدرة عدد الفنانين، أو نتيجة سطوة وسائل الإعلام الحديثة، وكذلك دخول التكنولوجيا الرقمية على خط الألعاب الترفيهية.
عُرف «الأراجوز» قديمًا كأحد الأشكال التي تنتمي لما يُعرف باسم مسرح العرائس، لاعتمادها على استخدام دمية يدوية تقليدية في حكي القصص، يحركها شخص بأصابعه من خلف ستار، باستخدام صوت غير مألوف لشد الانتباه.. لكننا نتصور أنه ما زال حيًّا، يعيش بيننا، ويحيط بنا.. وإن كان بأشكال مختلفة.
الآن، أصبح «الأراجوز» شخصية موجودة في كل مناحي الحياة، يمارس الخداع والتضليل والكذب والبهتان، خصوصًا في مجال الإعلام، حيث يطل علينا بأراجيزه وحكاويه البلهاء، اعتقادًا منه أن المتلقي مصاب بالعته!
أما في السنوات الأخيرة، وفي خضم أحداث فارقة، على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة ـ داخليًا وخارجيًا ـ أصبح كثير من المتلقين بسبب هؤلاء «الأراجوزات»، إما فاقدون للوعي والإدراك، أو مسلوبو الإرادة والتفكير!
ربما ساعد في ذلك إلحاح الظهور المتكرر لهؤلاء «الأراجوزات»، تحت عناوين براقة في برامج «التوك شو»، سهَّلت من وقوعنا فريسة غضَّة ولقمة سائغة لعملية تضليل ممنهج، تسهم في نشر الجهل والغباء.. أو «الاستحمار» إن شئت!
هؤلاء «الأراجوزات» مقدمو البرامج، يلازموننا بـ«طلتهم البهية» على مدار اليوم، حتى يخال إليك أنهم ـ لكي لا يتأخروا على موعد البث المحدد ـ باتوا يسكنون في القناة التلفزيونية «الملاكي».. فهل يُلام المتحمسون لهم؟!
مع الأسف، أصبح المتلقي ضحية لعناوين «الغسل» و«الكنس» و«الشطف» التي تستهويه وتضلله، من دون الاكتراث بالمحتوى الفارغ، خصوصًا عندما يستضيف «الأراجوز»، مجموعة من «الأراجوزات» فئة «الكومبارس».
إذن، المحصلة لا شيء، سوى هدر الوقت في تفاهات، لا تسمن ولا تغني من جوع، بين مجموعة من «الأراجوزات» لغسل أدمغة مشاهديهم ومتابعيهم بتحليلات سطحية ساذجة، تنم عن جهل فاضح وانحياز سافر!
في كثير من الأحيان، يبدو المحتوى بين «الأراجوز» وهذه «الدمى» أو «العرائس» أشباه «المحللين» بـ«قعدة» مراهقين، يتنازعون على قلب بنت الجيران، حيث لا يتعدى الأمر قضايا هامشية، لا تبتعد كثيرًا عن الفياجرا النسائية، أو خلاف حمو بيكا وشطة.
لكن الجمهور «المغلوب على أمره» تتم محاصرته وإشغاله بهذه الترهات، التي تشغله عن واقعه البائس، فيأخذ الأمر أحيانًا على محمل الجد، لنرى أنواعًا من المتطوعين والمتنطعين والمغيبين، وقليل من المدركين.
كنا نتمنى أن تختفي تلك الدمى والعرائس والأراجوزات من حياتنا، خصوصًا على الفضائيات، التي أصبحت مرتعًا للجهلاء والمضلِّلين، أنصاف المتعلمين، وروَّاد مدارس النفاق والتطبيل، (الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا)!

أخبار ذات صلة

Zaher3333@gmail.com

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى