نون والقلم

محمد عبد المجيد هندي يكتب: ترامب.. فتوة العالم الحديث

لم تعد أمريكا مجرد دولة عظمى تدير شؤونها وفق مصالحها، بل تحولت إلى قوة استعمارية بوجه حديث، تفرض هيمنتها بالقوة العسكرية، وتمارس الابتزاز الاقتصادي، وتُخضع الشعوب بالإكراه، مستخدمة أساليب لا تختلف عن العصابات التي تفرض الإتاوات على الضعفاء مقابل «الحماية».

لم يعد هناك حديث عن القوانين الدولية، ولا احترام لسيادة الدول، بل أصبح العالم بأسره خاضعًا لمبدأ القوة المطلقة الذي تفرضه واشنطن، سواء بالسلاح أو بالحصار أو بالتلاعب الاقتصادي والسياسي.

العالم اليوم محكوم بنظام أمريكي قائم على سياسة التخويف والابتزاز، تضع واشنطن القواعد وتحدد من يحق له النمو ومن يجب أن يظل ضعيفًا، من يُسمح له بالصعود ومن يجب إسقاطه، من يحصل على الدعم ومن يُفرض عليه العقوبات. من يجرؤ على الرفض يكون مصيره مثل العراق أو ليبيا أو سوريا أو إيران أو أي دولة ترفض الانصياع للأوامر.

ترامب: الوجه الحقيقي لأمريكا دون قناع

جاء دونالد ترامب ليكشف الوجه الحقيقي للولايات المتحدة، بلا قناع ولا دبلوماسية زائفة، أعلنها بوضوح أن أمريكا لا تحمي أحدًا مجانًا، وأن الدول الغنية عليها أن تدفع مقابل حمايتها، حتى لو كانت هذه الحماية مجرد وهم. لم يعد الأمر يتعلق بالعلاقات الدولية بقدر ما تحول إلى استعراض للبلطجة، حيث أصبح الرؤساء والزعماء مضطرين لتقديم فروض الولاء والطاعة، خشية أن يسقطوا تحت طائلة العقوبات الاقتصادية أو الانقلابات أو الفوضى المصطنعة التي تجيد واشنطن إشعالها في أي مكان.

تصريحاته الأخيرة مع رئيس أوكرانيا كشفت أن أمريكا ليست مجرد قوة عظمى، بل هي قوة تتلاعب بمصائر الدول وفق مصالحها الخاصة. يتحدث ترامب مع رئيس دولة وكأنه يتحدث مع موظف لديه، يبتزه علنًا، يطلب منه خدمات سياسية، ويرهن الدعم العسكري بمصالحه الشخصية. وكأن الجيش الأمريكي لم يعد مؤسسة وطنية بل شركة أمن خاصة تعمل لصالح من يدفع أكثر.

الحروب الأمريكية: دمار الشعوب ونهب الثروات

لا يوجد تدخل عسكري أمريكي إلا وكان الهدف الحقيقي منه هو السيطرة على الموارد ونهب الثروات، بينما تُرفع الشعارات البراقة عن الحرية والديمقراطية. العراق دُمِّر بالكامل بحجة أسلحة الدمار الشامل التي لم تُثبت أبدًا، لكن النفط العراقي أصبح تحت الهيمنة الأمريكية.

 ليبيا تحولت إلى دولة فاشلة، بعدما كانت واحدة من أغنى الدول الإفريقية، فقط لأن واشنطن قررت أن نظام القذافي لم يعد يخدم مصالحها. سوريا واجهت مؤامرة كبرى لتفكيكها وإضعافها، واليمن أصبح ساحة لحرب لا نهاية لها، بتمويل أمريكي وتسليح أمريكي وخطط أمريكية.

كل هذه الحروب لم يكن الهدف منها تحقيق الديمقراطية أو حماية حقوق الإنسان، بل كانت كلها خطوات مدروسة لإضعاف أي دولة قد تفكر في الاستقلال عن القرار الأمريكي. لا يحق لأي شعب أن يقرر مصيره بنفسه، إلا إذا كان هذا القرار يصب في مصلحة واشنطن.

الحصار الاقتصادي: سلاح أمريكا لخنق الدول

لم تكتفِ واشنطن بالقوة العسكرية، بل طورت أساليب أخرى أكثر خبثًا للسيطرة على العالم، من خلال الهيمنة المطلقة على النظام المالي والاقتصادي العالمي. الدولار الأمريكي أصبح السلاح الأخطر، تستخدمه واشنطن لفرض إرادتها على الدول، وتخضع به الحكومات وتشل اقتصاداتها.

أي دولة ترفض الرضوخ للأوامر الأمريكية تُفرض عليها العقوبات الاقتصادية، تُحرم من التعاملات المالية العالمية، تُجمد أصولها، وتُحاصر حتى تستسلم أو تنهار.

إيران تعيش منذ عقود تحت حصار خانق، ليس بسبب برنامجها النووي كما تدّعي واشنطن، بل لأنها تجرأت على بناء اقتصاد مستقل لا يخضع للشركات الأمريكية.

الصين تُحارب اقتصاديًا لأنها أصبحت تهدد الهيمنة الأمريكية. حتى دول أوروبا ليست بمنأى عن الابتزاز، حيث تُجبر على الالتزام بالقرارات الأمريكية تحت تهديد العقوبات.

هل يمكن للعالم أن يتحرر من الهيمنة الأمريكية؟

السؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن وقف هذا التغول الأمريكي؟ هل يمكن أن يستعيد العالم توازنه دون أن يكون أسيرًا لقرارات واشنطن؟ الإجابة ليست سهلة، لكنها ليست مستحيلة.

الدول التي تريد التحرر من القبضة الأمريكية عليها أن تتحرك بشكل جماعي، أن تبني اقتصادًا قويًا ومستقلًا، أن تكسر احتكار الدولار، أن تنشئ تحالفات عسكرية واقتصادية بديلة، أن تمتلك القوة التي تجعل أمريكا تفكر ألف مرة قبل أن تفرض شروطها أو تهدد بالعقوبات أو الحروب.

لم تعد القضية مجرد خلافات سياسية، بل أصبحت معركة بقاء، إما أن تبقى الشعوب خاضعة لهذا الاستعمار الحديث، أو أن تتحرر وتأخذ مصيرها بيدها. المشكلة ليست في قوة أمريكا فقط، بل في ضعف الحكومات التي تستسلم لها بسهولة، وفي الشعوب التي اعتادت الخضوع والخوف.

الختام: أمريكا ليست قدراً لا يمكن تغييره

الولايات المتحدة ليست القوة الأولى التي حكمت العالم، لكنها تتصرف وكأنها لن تسقط أبدًا، وكأنها ستبقى مهيمنة إلى الأبد. لكنها مثل كل الإمبراطوريات التي سبقتها، ستصل إلى لحظة الانهيار عندما تجد من يقف في وجهها بصلابة، عندما تدرك أن الشعوب لم تعد خاضعة، عندما تفقد سلاحها الأقوى وهو الخوف الذي زرعته في قلوب الجميع.

العالم اليوم على مفترق طرق، إما أن يواصل الخضوع لمنطق الإتاوات والابتزاز والبلطجة الأمريكية، أو أن ينتفض ليكسر هذه الهيمنة، قبل أن نجد أنفسنا جميعًا داخل حرب عالمية ثالثة، تشعلها واشنطن عندما تدرك أن هيمنتها على وشك السقوط. فهل يتحرك العالم قبل فوات الأوان؟ أم أننا سننتظر حتى نشاهد أمريكا وهي تقود البشرية نحو الهاوية ونحن مكتوفي الأيدي؟

قيادي عمالي مستقل

مؤسس ورئيس المجلس القومي للعمال والفلاحين تحت التأسيس

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى