
محمد عبد المجيد هندي يكتب: الفتنة في زمن الحرب خيانة عظمى وطعنة بقلب الوطن
في زمن الحروب والمعارك المصيرية، تصبح الفتنة سلاحًا أشد فتكًا من الرصاص، وطعنةً غادرةً في ظهر الوطن. فلا شيء يهدد استقرار الدول أكثر من محاولات بث الفرقة والعبث بنسيجها الوطني في لحظات المواجهة.
وما نشهده اليوم من محاولات مستميتة لضرب وحدة الصف المصري، ليس صدفةً عابرة، بل هو امتدادٌ لمخططات عالمية تسعى لإسقاط هذه الدولة العريقة، التي كانت ولا تزال صخرةً تتحطم عليها أطماع القوى الكبرى.
إن مصر اليوم تواجه حربًا غير تقليدية، حربًا تستهدف الوعي والعقول قبل أن تستهدف الأرض. إنها حرب نفسية وإعلامية واقتصادية وسياسية، تُدار من غرف مظلمة في عواصم عالمية، بأدوات محلية رخيصة، وبأقنعة تحمل شعارات زائفة عن الحرية والنضال.
هؤلاء الذين يدَّعون النضال عبر صفحات التواصل الاجتماعي، ويزرعون الفتنة تحت غطاء حرية الرأي، هم في حقيقتهم أدواتٌ مأجورة في يد خصوم الوطن، يُنفِّذون مخططاتهم عن وعي أو جهل، لكن النتيجة واحدة: ضرب استقرار الدولة في لحظة مصيرية.
إن الفتنة في زمن الحرب ليست وجهة نظر، وليست اختلافًا في الرأي، بل هي خيانة مكتملة الأركان. فمن يدعو للتشكيك في قدرة الدولة المصرية، أو يحاول النيل من صلابة جبهتها الداخلية، إنما يُعطي العدو سلاحًا مجانيًا لتمزيق هذا النسيج الوطني المتماسك. فما قيمة القوة العسكرية والاقتصادية إذا استشرى الخلاف والشك في النفوس؟ وما فائدة التاريخ المشرق إذا نجح أعداء الداخل في فتح ثغرة في جدار الوحدة الوطنية؟
إن الذين يتشدقون بالنضال من خلف الشاشات، ويتخذون من الأزمات منبرًا للترويج لأفكار هدامة، هم في واقع الأمر أدواتٌ لإضعاف الروح المعنوية للشعب. فالوطن في لحظة المواجهة لا يحتاج لشعارات فارغة، بل يحتاج إلى وعي وطني حقيقي، ووقفة جادة أمام محاولات التشكيك والتخوين. فالكلمة في زمن الحرب ليست مجرد رأي، بل هي رصاصة إما أن تصيب العدو في مقتل، أو تخترق جسد الوطن فتُضعفه وتُنزف قواه.
لقد علَّمنا التاريخ أن الأوطان لا تُهزم إلا من داخلها. والجيوش الغازية التي انهارت على أسوار مصر عبر العصور، لم يكن لها أن تفكر في العودة إلا حين وجدت شقوقًا في الجبهة الداخلية. واليوم، حين نرى البعض يتلاعبون بمشاعر الشعب، ويحاولون بث الشك في قدرة الدولة، ندرك أننا أمام جيل جديد من الخونة، يرتدون أقنعة الوطنية، لكنهم يُنفِّذون أجندات أعداء هذا الوطن.
إن مصر اليوم تواجه حربًا شاملة، حربًا على الجبهات كافة. فهناك من يحاول خنق اقتصادها، وهناك من يسعى لتشويه صورتها خارجيًا، وهناك من يزرع الفتنة داخليًا. وهذه القوى مجتمعةً تعرف تمامًا أن مفتاح النصر أو الهزيمة يكمن في وحدة الشعب وصلابة الجبهة الداخلية. لذا، فإن حماية هذه الجبهة واجبٌ وطني لا يقبل التهاون.
إن النضال الحقيقي لا يكون عبر منشورات إلكترونية ولا شعارات جوفاء. النضال الحقيقي يكون في ميدان العمل، وفي تعزيز الإنتاج، وفي دعم الدولة في معركتها المصيرية. أما من يختار أن يفتح جبهةً جديدةً للفتنة في الداخل، فهو عدو متخفٍ مهما ادعى الوطنية، وعميلٌ ينفذ مخططًا أشد خطرًا من القصف المدفعي.
وليعلم هؤلاء أن مصر ليست ساحةً لتصفية الحسابات، ولا ميدانًا للمتاجرة بالأزمات. هذا الوطن الذي صمد في وجه أعتى الإمبراطوريات، والذي دحر الغزاة عبر تاريخه الطويل، لن يسقط أمام كلماتٍ مسمومة أو دعواتٍ خبيثة. أبناء مصر، بفطرتهم الواعية، يدركون خطورة المرحلة، ويعرفون أن معركتهم ليست فقط على الحدود، بل هي أيضًا في الداخل، حيث يحاول أعداء الوطن تفكيك لحمتهم الوطنية.
إننا في هذه اللحظة الفارقة من تاريخنا، نُدرك أن النصر لن يتحقق إلا بوحدة الصف، والوعي التام بخطورة الحرب النفسية التي تُدار ضدنا. وأن مصر التي خرجت من حروب طاحنة وأزمات خانقة أكثر قوةً وصلابةً، ستخرج من هذه المعركة أيضًا منتصرةً، رغم أنوف الحاقدين والمأجورين.
فليتوقف المتاجرون بالوطن عن نشر سمومهم، وليدركوا أن التاريخ لا ينسى، وأن الشعب لا يغفر لمن خان. وليعلموا أن زمن الفتنة انتهى، وأن مصر التي وقفت دائمًا في وجه المؤامرات، ستُسقط مخططاتهم كما أسقطت غيرهم من قبل.
مصر في حالة حرب… ومن لا يدرك ذلك فهو جاهل، ومن يدركه ويُصر على زرع الفتنة فهو خائن.
قيادي عمالي مستقل
مؤسس ورئيس المجلس القومي للعمال والفلاحين