نون والقلم

مجدي حلمي يكتب: قرار حكيم من العاهل المغربي

أحسن العاهل المغربي صنعًا عندما دعا شعبه إلى الامتناع عن ذبح الأضاحي خلال عيد الأضحى المبارك نظرًا للظروف المناخية والاقتصادية الصعبة، بما في ذلك موجة الجفاف التي أدت إلى تراجع كبير في أعداد الماشية. هذه الدعوة جاءت من منطلق السعي لحماية الفئات الأكثر هشاشة اقتصاديًا، وخاصة ذوي الدخل المحدود، كما ورد في البيان الملكي.

بالتزامن مع ذلك، تصاعدت دعوات شعبية في المغرب لمقاطعة بعض السلع الأساسية خلال شهر رمضان بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار، مع عجز الحكومة عن مواجهة هذا الانفلات غير المسبوق في السوق.

يظهر هذا التحرك المشترك، سواء من القيادة الرسمية أو من الشعب، كجهد لحماية محدودي الدخل. ففي الحالة الأولى، الهدف هو الحفاظ على الثروة الحيوانية التي تحتاج إلى وقت للتعافي، وفي الثانية يتمثل الغرض في مواجهة جشع التجار الذي تفاقم بصورة مشابهة لما يحدث في دول أخرى مثل مصر.

شهر رمضان، الذي يُفترض أنه شهر الرحمة والتقرب إلى الله، تحول في أعين البعض إلى موسم استغلال واحتكار للسلع من قِبل التجار بهدف تحقيق أرباح مبالغ فيها. هذا يتناقض مع القيم الأساسية لهذا الشهر، الذي أُقرّ فيه الصيام لتعزيز روح التكافل والتراحم بين الناس.

ومع غياب واضح للإشراف الحكومي الفعال والتنظيم اللازم للأسواق، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل ملحوظ حتى داخل مبادرات مثل «معارض أهلاً رمضان»، التي فشلت في تقديم البديل العادل للمستهلكين، حيث بات بعضها يبيع سلعًا بأسعار أعلى من مثيلاتها في الأسواق المحيطة.

من جهة أخرى، يبدو أن الأنظمة الحكومية تقف عاجزة أمام هذه الظاهرة بذريعة التزامها بمبادئ السوق الحر والعرض والطلب، دون السعي لفرض ضوابط على هامش الربح للسلع الأساسية.

ورغم الامتيازات الكبيرة التي تقدمها الحكومات للمستثمرين والتجار، إلا أن تلك الامتيازات غالبًا ما تُحمّل كتكاليف إضافية على المستهلكين. هذه السياسات تؤدي إلى اتساع الفجوة بين المواطنين المحدودي الدخل وبين المتحكمين في الاقتصاد.

في ظل هذه الأوضاع، يتحول شهر رمضان إلى موسم استهلاكي بحت يتسم بارتفاع غير مبرر للأسعار واستغلال التجار غياب الرقابة الحقيقية من قبل الجهات المعنية. وفي الوقت الذي تُصدر فيه الحكومات قوانين لمعاقبة المواطنين على المخالفات الصغيرة أو تسعى لتحصيل الأموال منهم تحت مسمى الخدمات، تفشل تمامًا في ردع المحتكرين والذين يعبثون بقوت الشعوب. العقوبات المطبقة على المحتكرين غالبًا ما تكون ضعيفة وغير رادعة، إضافة إلى محدودية دور الأجهزة الرقابية مثل جهاز منع الممارسات الاحتكارية.

من الضروري أن تجد دعوة ملك المغرب ومبادرات المقاطعة الشعبية صدى واسعًا ليس فقط داخل المغرب بل في كل أنحاء المنطقة. يمكن لهذه التحركات أن تشكل درسًا مهمًا للشعوب الأخرى، مع التأكيد على الحاجة الملحة لوضع قوانين صارمة لتنظيم الأسواق وتحديد هوامش ربح معقولة للسلع الأساسية. كما يجب أن ترافق هذه القوانين عقوبات حازمة تُفرض على كل من يستغل حاجة الناس ويتلاعب بأسعار السلع الحيوية لضمان تحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية.

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى