نون والقلم

مجدي حلمي يكتب: ثورة 1919 أطلقت شعلة الحرية في العالم

 اليوم هو 9 مارس.. اليوم الذي انطلقت فيه أول ثورة شعبية في تاريخ مصر الحديث.. يوم خرج فيه المصريين إلى الشوارع مطالبين بالاستقلال التام من الاحتلال الإنجليزي يوم أصبح رمزاً لتحالف الشعب مع قادة مخلصين خرجوا يطالبون بالحرية والديمقراطية لبلدهم أنه اليوم الذي اندلعت فيه ثورة 1919.

فهذه الثورة غيرت مجريات الأحداث في مصر.. وكانت بداية لمصر الحديثة التي يبنيها أبناء مصر المخلصين.. فخروج المصريين في الشوارع نساءً ورجالاً شباباً وشيوخاً، وتلاميذ المدارس مع طلاب الجامعات يهتفون «عاش الهلال مع الصليب» و«الاستقلال التام أو الموت الزؤام» وسبقها أغنية المبدع المصري الشيخ سيد درويش «قوم يا مصري مصر  دايماً بتناديك»، وضع مصر على بداية نضال طويل ضد المستعمر الإنجليزي الذي نهب خيراتنا، وكان يتحكم في كل مقاليدنا فكان الاستعمار الأسوأ مع الاحتلال العثماني.

فهذه الثورة حررت كل شيء، وظهرت نتائجها سريعاً فلم تطل الفترة الانتقالية لها فمن نتيجتها ظهور الاقتصاد المصري الخالص الذي تمثل في إنشاء بنك مصر وهو أول بنك مصري ومنه خرجت عشرات الشركات التي عملت في جميع المجالات، فقد كان طلعت حرب أحد قادة هذه الثورة، وكان لا بد من بناء اقتصاد مصري وطني خالص لتكون مستعدة في حالة إجلاء الإنجليز عن مصر تكون الدولة مستعدة للقيام بدورها.

وكانت من أبرز إنجازات هذه الثورة فتح المجال أمام المبدعين من كبار الأدباء والشعراء، فكان عباس العقاد وطه حسين ومحمد حسنين هيكل ومحمود مختار، وغيرهم من رجال الأدب والثقافة والفن، وهذا نتاج طبيعي لتمصير كل شيء في مصر.

فثورة 1919 كانت نقطة انطلاق السينما المصرية والصحافة الوطنية القوية، وظهور صحف تنحاز للشعب وتنتقد أكبر المسئولين في البلد، وكان الإنجليز والقصر يطاردون الصحفيين حتى وجدنا منصباً جديداً في الصحافة المصرية اسمه «رئيس تحرير الحبس».

فثورة 19 لم يكن تأثيرها على مصر فقط، ولكن امتد تأثيرها للمنطقة العربية، ولن أكون مبالغاً إن قلت إن تأثيرها امتد إلى العالم كله، فهي تعد نقطة تحول في حياة الشعوب الباحثة عن الاستقلال من الاستعمار الغربي الغاشم، وكانت نبراساً لكل الشعوب الباحثة عن الحرية والديمقراطية.

فهذه الثورة التي أرست قواعد المقاومة اللاعنيفة للاستعمار مع غاندى في الهند، وهو الآن علم يدرس في مناهج مقاومة الطغاة والاحتلال فالمقاومة السلمية أقوى وأنجع من المقاومة المسلحة، فهي مقاومة لا تؤدى إلى ضحايا من الأبرياء، فهي ثورة ترفض الإرهاب حتى إن كان مبرره الاستقلال عن الاحتلال.

وثورة 19 كانت من الثورات التي شهد الشعب المصري وضع دستور دائم للبلاد، وهو دستور 1923، ورغم اعتراض سعد باشا على لجنة وضع الدستور إلا أنه خرج وبه باب رائع للحقوق والحريات استمدت منه البشرية مبادئ الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر في عام 1948.. فهذا الباب يعد نموذجاً للحقوق والحريات في الدساتير.

فثورة 19 أسقطت الحصانة عن أي مسئول، الكل يخضع للنقد بداية من الملك حتى أصغر مسئول، فهي فتحت الباب للديمقراطية، وعاشت مصر بعدها عشرات الانتخابات وما كان بها من صراع ومعارك سياسية وتبارت فيها الأحزاب.

فهي ثورة شعب حقيقية عبر فيها المصريون عن صلابة إرادتهم، وتوحدهم خلف القيادة الوطنية الحقيقية التي تفعل ما تقول، وتؤمن بأن الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى