نون والقلم

مجدي حلمي يكتب: ترامب وعناد المصريين

يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يدرك طبيعة الشعب المصري، أو ربما يجهل البنية النفسية الراسخة لدى المصريين عبر آلاف السنين. هذه البنية التي تتجلى بشكل واضح في الوقوف صفاً واحداً خلف القيادة عند الشدائد، بغض النظر عن التوافق أو الاختلاف معها.

تاريخ مصر يشهد على أن أي قوة خارجية لم تتمكن قط من فرض ثقافتها أو عاداتها على المصريين، رغم مرور عشرات المحتلين بدءاً من الهكسوس وحتى الاحتلال الإنجليزي. فالمصريون عندما تواجههم المحن، يقفون متحدين خلف قيادتهم.

كان من واجب مستشاري ترامب أن يطلعوه على أن مصر، عندما تقول «لا» في القضايا المصيرية، فإن ذلك يعني موقفاً حاسماً لا رجعة فيه. هذا ما يظهر جلياً في الرفض القاطع، الرسمي والشعبي، لفكرة توطين سكان غزة في سيناء أو تهجيرهم إلى أماكن أخرى، وهي مخططات ربما استُشعر بها منذ سقوط نظام حزب البعث في سوريا.

مصر دفعت ثمناً باهظاً نصرةً لـ القضية الفلسطينية، بدءاً من تقديم أكثر من 100 ألف شهيد من أفضل شباب الوطن، إلى خسائر اقتصادية تجاوزت مئات المليارات التي كان من الممكن أن تغير وضع البلاد اقتصاديًا بشكل جذري.

تعرضت مصر لمحاولات حصار متعددة عبر العقود، ورغم ذلك بقي الشعب صامداً ووحد صفوفه خلف قيادته وجيشه. الظاهرة هذه تكررت على مر العصور، سواء بعد نكسة 1967 عندما وقف الشعب خلف جمال عبد الناصر، أو خلال تصحيح المسار مع السادات عام 1971، أو حتى في دعم حرب أكتوبر المجيدة حيث كانت المدارس والمنازل تحتفي بالثأر والنصر. واستمر الدعم ذاته في حقبة الرئيس عبد الفتاح السيسي في معركته ضد الإرهاب المدعوم دولياً، حيث استطاع الشعب بصبره ووحدته عبور واحدة من أحلك الفترات.

وبالرغم من آثار جائحة كورونا وارتفاع الأسعار والتوترات الإقليمية التي تحيط بالبلاد، بما في ذلك العبث بأمن السودان واليمن وليبيا والصومال من أطراف معلومة الارتباط بالولايات المتحدة وإسرائيل، ظل المصريون ثابتين.

ذروة التحديات تجددت مع الأحداث الأخيرة المرتبطة بهجوم حماس على الاحتلال الإسرائيلي في أكتوبر 2023 وما تبعه من خسائر اقتصادية جسيمة لمصر، تجاوزت 30 مليار دولار بسبب تأثيراتها على خطوط الملاحة في البحر الأحمر وارتفاع أسعار السلع نتيجة زيادة تكاليف التأمين البحري.

لكن حتى مع كل هذه الأزمات، يبقى المصريون صبورين حتى اللحظة، مدركين أنه مهما اختلفوا مع سياسات حكومتهم داخلياً بشأن الأولويات، فإنهم لا يتراجعون عندما يتعلق الأمر بسيادة وكرامة بلادهم.

والآن، مع محاولات الضغط المتزايدة من الولايات المتحدة لفرض الهيمنة السياسية على مصر، تعيش جميع القرى والمدن والنجوع حالة من الاستنفار غير المعلن. الشعب المصري يتحدث عن الاستعداد لأي طارئ دفاعاً عن أرضهم ضد ما يُعرف بالبلطجة السياسية الأمريكية.

الشعب المصري يقف موحداً خلف جيشه وقيادته وشرطته لحماية الأرض والشعب من أي تهديد خارجي. لا يهمهم الحصار أو قطع المعونات التي يعتبرها كثيرون مصدراً للفساد أكثر منها دعماً حقيقياً للتنمية.

على ترامب ومن يتبنى أهدافه أن يدركوا بأن القيادة المصرية ليست وحدها في مواجهة هذه التحديات؛ بل يقف خلفها أكثر من 110 ملايين مصري مستعدون لدفع الثمن مهما كان إذا استدعت الضرورة ذلك.

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى