نون والقلم

مجدي حلمي يكتب: «أبو المجد» راهب في محراب الحريات

رحم الله الدكتور احمد كمال أبوالمجد هذا الرجل الذي أفني عمره في خدمة سيادة القانون والفقه وحقوق الإنسان.. فهذا الرجل تولي عددا كبيرا من المناصب لكنه لم يحد عن رأيه  وكان يقول ما يقتنع به دون خوف أو وجل وكان لا يهتم بمسئوليات المنصب.

أخبار ذات صلة

فقد اقتربت من الرجل عندما تم تشكيل المجلس القومي لحقوق الإنسان في عهد الرئيس مبارك  وكان هو نائب الرئيس  وكنت اعتقد مثل غيري من الزملاء المهتمين بهذه القضية أن المجلس جاء لتبرير انتهاكات حقوق الإنسان وكنا ننظر الي التشكيل  الذي ترأسه المرحوم الدكتور بطرس بطرس غالي  نظرة شك  وكنا في  كل لقاء معه يكون الهجوم هو سبيلنا  إليه وكان دائماً يلتقي بالصحفيين.

ولكن اكتشفنا أنه متقدم عنا في الدفاع عن حقوق الإنسان وأصدر المجلس التأسيسي سلسلة تقارير كانت اقوي من تقارير المنظمات غير الحكومية التي تعمل في هذا المجال  وكان الرجل مع خبرة الدكتور بطرس غالي يعرفون كيف يحتوون أي أزمة تحدث مع الحكومة وكثيراً كانت هذه الأزمات.

والرجل كان فقيها في فنون القانون والفقه الإسلامي وكان موسوعة علمية متنقلة وكنا نلجأ إليه عندما نريد تفسيرا لأي شيء غامض ولم يبخل علينا بعلمه وكان دائما يجيب علينا ولا يتردد في توجيه النصيحة لنا.

وأتذكر آخر معركة خاضها الرجل مع لوبي الحزب الوطني وهي المعركة التي تعرض فيها لهجوم قاس من الصحف القومية ومن سدنة الحزب الوطني في الإعلام وهي معركة نائب الرئيس، فالرجل أدلي بتصريحات بضرورة أن يكون للرئيس مبارك نائب للرئيس أو أكثر وهو كان مطلبا لجميع أحزاب المعارضة وقتها وكتب مقالا في إحدي الصحف الخاصة حول هذه القضية.. وبين فيه أهمية أن يكون لرئيس الجمهورية نائب للرئيس.

وفوجئ برد فعل عنيف من رجال الحزب الوطني ومن الصحف الحكومية ووقتها كانت صحف القارئ الواحد لا يهمها المواطن ولكن يهمها فقط  رئيس الجمهورية ومن رجال الحزب الوطني والشلة التي كانت تسيطر عليه وقتها  ووصل الهجوم الي حد لا يطاق.

ولكن الرجل لم يتراجع وأصر علي موقفه ولم  يتضامن معه  إلا كاتب هذه السطور وطلبت وقتها من الأحزاب السياسية مساندة الرجل لأنه يتبني موقفا ومطلبا أساسيا من مطالبها التي أعلن عنها مؤتمر الأحزاب السياسية الذي عقد في عام 1984.

وسبحان الله  يموت الرجل  في أيام تعديل الدستور الآن وبه مادة تنص علي  من حق رئيس الجمهورية تعيين نائب أو أكثر  له وهي نفس المادة التي كانت موجودة في  دستور 1971  لكن مبارك تجاهل تفعيلها  منذ توليه السلطة رغم أن هذه المادة هي التي اتت به إلي السلطة في مصر وبقي فيها 30 عاما كاملة وكنت انتظر أن يستدعيه البرلمان للتحدث عن التعديلات الدستورية في جلسات الاستماع التي يعقدها.

فالرجل قارئ جيد للتاريخ وله قدره غريبة علي استنباط الأحكام والدروس من الأحداث التاريخية وكان دائماً يحذر من غضبة شعبية وكثيراً أدلي للصحفيين بتصريحات تحمل في طياتها تحذيرا للسلطة من هذه الغضبة وكان دائماً يحذر من قضية التوريث وكان له مواقف رافضاً لها وتحققت رؤيته في يناير 2011.

رحم الله الدكتور احمد كمال أبوالمجد واحد من رواد القانون وحقوق الإنسان والفقه الإسلامي فهو  واحد من عقد السياسيين الموهوبين  الذين ملأوا الساحة المصرية طوال الاعوام التي سبقت ثورة يناير خاصة ونحن في أيام لا نجد فيها من  السياسيين الذين يتمتعون بحكمة ورؤية ثاقبة مثله ويخلصون النصيحة للحاكم مهما كانت قاسية.

ولا نملك إلا أن ندعو الله ان يرحمه ويجازيه علي ما قدمه لمصر وللوطن العربي وللعالم من فكر قانوني وفقه ديني.. ونشاطر أسرته وأحباءه الأحزان وندعو الله أن يلهمهم الصبر والسلوان.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى