دنيا ودين

لَا تَنسوُا الفضلَ بَينَكُم

نون تقرير تكتبه آية عبد الحميد  

يُحكي أن في زمنٍ ليس بقريب، رجل أراد أن يُطلق زوجته، فعندما سأله الناس عن سبب ذلك؟!، رد قائلاً: العاقل لا يهتك سر امرأته!، فعندما أتم طلاقها، سألوه مرة آخري: لم تصبح امرأتك بعد اليوم؛ فذكر لنا السبب؟! رد: مالي أنا وامرأة غيري!.

ولكن أنظر معي عزيزي القارئ ما هو حالُنا اليوم؟ إنه لشيءٍ مُحزن ومؤسف للغاية، شيءٍ فيه من الحسرة والألم ما لا يُعدوا ولا يُحصوا، نجدهم اليوم يقفون أمام الجميع بكل فخرٍ مُعلنين ما كان يدور بينهما تحت سقف بيتهما، يُظهر كلاً منهما عيوب الآخر وخفاياه التي استأمنه عليها يوماً، كاسرين كل مبادئ الإسلام وأخلاقه، بل ومبادئ الإنسانية بأكملها، هادمين بأيديهما كل ما كان جميل بينهما، كما لو أنهم في ساحةٍ للقتال، مُعتقدين أنهما كلما افشوا سراً زادوا تأثُراً في الناس وكسب تعاطفهم بكونهم الضحية.

يتصارع كلاً منهما في إحراز أهدافاً أكثر لتصبح نتيجته أعلي، كما لو أنهما سيفوزان بالجنة، يقفون فرحين مُهللين مُتباهين بخوضهم أعراض بعضهم وبكشف عوراتهم أمام الجميع، فاخورين بتنافُس كلاً منهما بأكل لحم الآخر وهتك حُرمة البيت الذي جمع بِهما يوماً بشرع الله وبسنة رسوله؛ فما هذا الذي يجري؟؛ من الذي أعلن بينكما أن انتهاء العلاقات تَعني الفضيحة، وإعلان الحرب، وجلاب المشاكل، وكشف الأسرار أمام الجميع، أنتما في الحقيقة لم تستغرقا دقيقةً واحدةً لكي تُفكرا بالأمر، تُفكرون فيما فيه من موعظةٍ ودروسٍ مُستفادة جعلت منكما أناس آخرين أكثر خبرة في الحياة، أناس من المُفترض لهم أنهم لا يتعدوا حدود وصون أكل العيش والملح معاً، فمن نحن حتى نتعدى حدود الله؟! أتعلمون حقاً حُرمة هذا الأمر؟!.

فما شهدناه مؤخراً علي شاشات التلفاز وفي مواقع التواصل الاجتماعي، وعلي مرئي ومسمع من الجميع، من مُشاحنات عَلنية، وهَتُك لحُرمة البيوت وكشف أسرارها، يثبت لنا إن الكثير لا يعرف قيمة، ولا معنى، ولا خصوصية، ولا احترام أصول الزواج، فقد أمرنا الله – عز وجل – بالزواج لعدم تفشي الفجور بين الناس، ولما فيه من استقرار وسكينة وسعادة واكتمال للذات، فلا يستطيع كلاً من النساء والرجال العيش بدون الآخر، فاربط بينهم بالزواج والمودة والرحمة، كقوله تعالي { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }، فلا أُلفة بين رُوحَين أعظم ممَّا بين الزوجين، فقد جاء التوجيه الرباني والهدي القُرآني، لنجدهم يعتنوا بالعلاقات الزوجيَّة وأحكامها أيما عِناية، فأمر بالمودة والرحمة وإحسان العِشرة، كقوله تعالي { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ }، ولكن في حين إذا ضاقَ حالُ الزوجَين، وافتقر الزواج من الودٌّ الكامل والمحبَّة الخالصة، والقدرة علي العيش معاً بمعروف، وخِيفَ الشقاق بينهما، أمر الله بمحاولة الإصلاح بينهم، وإذا لم يظفر عن ذلك شيءً وعزموا للطلاق، فَكُلٍ بالإحسان، حيث قال الله تعالي { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحسَانٍ } ، ولم يكتفي الله بهذا فقط، وقد ذكر في قولٍ كريم آخر { وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ } ، وها هو موضوعنا اليوم أعزائي القُراء.

فقد ورد في كتاب حفظ الأسرار لـ« دار القاسم» حُكم إفشاء السر، قائلاً «إذا كان الحفاظ على السر واجبًا فإن إفشاء السر حرام، وذلك لأنه يؤدي إلى ضرر، فإن اختيار سريته دليل على أن إفشاءه فيه ضرر، والضرر ممنوع شرعًا، كما أن إفشاءه يكون خيانة حيث يكون السر أمانة، ويكون غدراً بالعهد وعدم وفاء بالوعد، إذ كان هناك وعد أو عهد بصيانته سواء أكان ذلك بالحال أو بالمقال، والله سبحانه حرم الخيانة وحرم الغدر وعدم الوفاء، وتحريم الخيانة والغدر وعدم الوفاء أمور معروفة لأن الإسلام ينبذها والأدلة من القرآن الكريم على تحريم هذه الصفات المذكورة كثيرة ومنها على سبيل المثال، قوله تعالى { وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ } وقوله { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } ، كما جاء في حديثاً صحيح لرسولنا الكريم يقول فيه ( إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا )، وعن أنس قال: ما خطبنا رسول الله إلا قال: « لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له » ، فجميعُنا علي يقين بأن ما من أمرٍ قد شدد علينا فيه الله ورسوله من حَذريه، وحُرمته، إلا وقد كان لنا فيه شراً كبيراً، فعليك أن تتأمل معي عزيزي القارئ الأضرار التي تقع بسبب هتك الأسرار والإِعلان عنها».

تقول «سحر محمد » زوجة وأم لطفلين « ما أره اليوم يجعلني أشعر بالاشمئزاز واخشي المستقبل، فلا شيء يبقي علي حاله، فأنا أفكر كثيراً، هل من الممكن أن أتعرض أنا وزوجي في أي لحظة من اللحظات، أن ينقلب أمرنا معاً رأسً علي عقب، ونضطر إلي الطلاق، فيقوم كلاً منا بإفشاء أسرار الآخر وخباياه، إنه آمر مُخيف حقاً، ولكن أنا لا أملك سوا أن أبذل قصارى جهدي في المُحافظة علي بيتي وزوجي وتربية أبنائي علي احترام خصوصية الآخر، وصون العِشرة والود، وأن لا يفعلوا مثل هذه الأمور أبداً مهما كلفهم الآمر».

أما أسامة شرف  أب لثلاث بنات فيقول « إن أمر هَتُك أسرار البيوت، والفضائح العلنية التي تتم بين الأزواج أمام الجميع، وخاصة بعد الطلاق، قد تتسبب في زيادة السلبيات والمشاكل التي سيواجهها المجتمع بعد ذلك، وخاصة في الجيل الناشئ، فبعض الأبناء لا يفعلون شيء سوا تقليد بعض الأشخاص وخاصة إذا كانوا من المشاهير، لأنهم يُريدون أن يصبحوا مثلهم في يومٍ من الأيام، وهذا الشيء مُحزن للغاية لأن بعض هؤلاء المشاهير لا يضعون ذلك في الاعتبار وأحياناً ما يتصرفون دون تفكير أو دراسة لنتائج أفعالهم باحثين علي المزيد من الشهرة والنجومية، حتى وإذا جاء هذا من أشياء غير مرغوب بها من المجتمع، فعلينا مُتابعة نُصح أبنائنا وتوجيههم توجيهاً سليماً، لكي لا يقعوا في هذا الفخ عند كَبرهم».

ويفسر بعض خبراء التنمية البشرية صفة هتك الأسرار وإفشاءها، أنها من أكثر الصفات التي تصاحب الأشخاص الغير سويين والذين يُعانوا من عدم اتزان في الشخصية، وفقدان احترام الناس من حولهم، وأنها صفة ذميمة لا تتعلق بآداب الدين ولا بمبادئ الإنسانية عامة، ويصفون ذلك بأنه من بعض الأمراض النفسية لدي المرء، ويجب عليهم المحاولة في التخلص منها في أقرب وقت، وإلا سيظلون فاقدين احترام الناس لهم.

إن حياتنا لصنوف من العلاقات ليس سوى علاقة الزواج، إما علاقة قرابة، أو مُصاهرة، أو عمل، أو صداقة، أو يد فضل، فما أحرانا أن نطبق هذه القاعدة في حياتنا، ليبقى الود نهرًا مطردًا، ولكي تُحفظ الحقوق، وتتصافى القلوب، وإلا فإن مُجانبة تطبيق هذه القاعدة الأخلاقية العظيمة، يعني مزيداً من التفكك والتباعد والشقاق، ووأداً لبعض الأخلاق الشريفة.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى