لم يكن متوقعاً أن تصطف تركيا إلى هذا الحد وتقف بحدة إلى جانب دولة قطر في الخلاف مع كل من السعودية والإمارات والبحرين ومعهم مصر ودول أخرى.
وفي الواقع تدرّج الموقف التركي من الأزمة الخليجية مع قطر. اكتفى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مطلع الأزمة بالتشاور هاتفياً مع المسؤولين في السعودية. لكنه ما لبث أن اعتبر الإجراءات الخليجية- المصرية ضد قطر «غير سليمة» و«خاطئة» داعياً إلى التراجع عنها، وصولاً إلى دعوته عاهل السعودية الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى «التعامل كونه خادم الحرمين الشرفين بمحبة وسلمية بدلاً من الكراهية والعداء» مع الآخرين بحسب ما ورد حرفياً في أحد الإفطارات في إسطنبول. وتوّج أردوغان «خطابه القطري» باعتبار أن الحصار على قطر «ليس إنسانياً بل مخالف للإسلام» وما إلى ذلك من مفردات استفزازية ومسيئة.
اكتفى الرئيس التركي في مطلع الأزمة بالتشاور هاتفياً مع المسؤولين في السعودية.وفي وقت لاحق أرسل وزير خارجيته مولود تشاووش أوغلو إلى الدوحة من دون بقية الدول الخليجية.وبموازاة ذلك سارعت تركيا إلى إرسال طائرات محملة بالمواد الغذائية وغيرها لتزويد قطر بما ينقصها بسبب العقوبات الاقتصادية.
لكن الأبرز على الصعيد التركي كان البعد العسكري من الموقف.
مباشرة بعد اندلاع الأزمة كان البرلمان التركي يقر بغالبية أصوات حزب العدالة والتنمية الحاكم والذي يرأسه، بعد التعديلات الدستورية، أردوغان نفسه، مشروع قانون إنشاء قاعدة عسكرية تركية في قطر.
صحيح أن القاعدة قد تم الاتفاق على إنشائها قبل عامين لكن قوننتها في البرلمان مباشرة بعد حصول الأزمة كان رسالة قوية وكبيرة بدعم قطر بشكل عملي بل وعسكري.
وبعد أيام كانت تركيا ترفع عديد العسكر التركي الذي سيتمركز في القاعدة من 500 في البداية إلى ثلاثة آلاف. وما لبثت أن أرسلت وفداً عسكرياً لدراسة التجهيزات الميدانية للقاعدة.
حتى الآن فإن ما نعرضه هو الموقف الرسمي في حين أن الموقف الموازي في وسائل الإعلام المؤيدة لأردوغان كان أكثر بروزاً في تأييده لقطر وانطلقت سلسلة من المقالات والتحقيقات والأخبار التي تبرئ قطر من تهمة دعم الإرهاب.
المفاجئ في هذا أن تركيا كانت قد حسّنت علاقاتها مع السعودية وزار أردوغان السعودية ووقع اتفاقية لإنشاء مجلس تعاون استراتيجي بينهما وبدا كما لو أن العلاقات تجاوزت غمامة صيف الإطاحة بالإخوان المسلمين في مصر.
ما يدفع تركيا إلى الوقوف بحدة إلى جانب قطر أكثر من سبب:
1- إن قطر هي الدولة الخليجية الوحيدة ذات العلاقة المتينة مع تركيا وفي حال انكسرت قطر في المعركة الحالية فإن تركيا ستفقد رأس حربتها في الخليج العربي.
2- إن قطر هي القاعدة الفكرية لجماعة الإخوان المسلمين.وفي حال خروج الإخوان من هناك فإن تركيا ستتحمل وحدها عبء استضافتهم وما يمكن أن يضعها هذا في موقع حرج وصعب وغير قادرة على حمله وحدها.
3- إن قطر هي القاعدة العسكرية الوحيدة لتركيا في الخليج ويعتبر إنشاء هذه القاعدة خرقاً تركياً كبيراً للمنطقة يمكن أن تمارس من خلالها ضغطاً على الأطراف العربية في الخليج حيث إن الضغط على إيران لا يحتاج إلى مثل هذه القاعدة لأن لتركيا حدوداً برية مشتركة مع إيران. علما أن هذه القاعدة تأتي جزءاً من عقيدة عسكرية تركية جديدة للتغلغل في الشرق الأوسط عبر قاعدة أنشأتها صيف 2016 في الصومال وثانية في قطر وثالثة في بعشيقة من دون إذن بغداد فضلاً عن تدخلها العسكري في شمال سوريا. وخسارة تركيا لقطر سيفقدها أحد أذرعتها العسكرية الجديدة المتقدمة في قلب المنطقة العربية الخليجية.
4- إن للرئيس التركي وعائلته علاقات مالية كبيرة مع الأسرة الحاكمة في قطر، وقد نشرت الصحف التركية المعارضة تفاصيل واسعة عن هذه العلاقات بما يجعل من خسارة قطر ضربة موجعة لهذه الميزات المالية لعائلة أردوغان.
من هنا نجد أن تركيا فضلت خيار المواجهة وتحدي الإجراءات الموجهة إلى قطر في عقر دار الأسرة الخليجية. وهو الأمر الذي يحدث للمرة الأولى منذ خروج العثمانيين من الولايات العربية ويقع برأينا في إطار السعي لإحياء العثمانية الجديدة ذات المرتكز الفكري الإخواني. ومثل هذا التحدي لا يخدم برأينا المصالح التركية ولا الاستقرار في منطقة الخليج بل يشكل خطراً داهماً على الأمن القومي الخليجي والعربي.