نون والقلم

فتوح الشاذلي يكتب: ديمقراطية ساكسونيا 

لم تكن الصحف في الماضي مجرد مؤسسات إعلاميه تنقل الخبر إلى القارئ لحظة بلحظة وتؤدي رسالتها في محاربة الفساد والرقابه على آداء الحكومة باعتبارها السلطة الرابعة. 

ولكنها كانت جامعه يتعلم فيها شباب الصحفيين السياسة والصحافة والثقافة والتاريخ والأخلاق وكل شيء.. وأذكر أن الديسك المركزي في صحيفة «الوفد» كان منارة ومدرسة للعلم والأدب والثقافة والصحافة والسياسة.. لا يمر يوم وأنت في الديسك المركزي للوفد دون أن تتعلم شيئا.. كل يوم هناك جديد.. كان الأساتذة الكبار مصطفى شردي وجمال بدوي وسعيد عبد الخالق يعلمون الأجيال جيلا وراء جيل.. كل ذلك والعمل داخل الصحيفة يسير بصورة طبيعيه دون أي تأثير.  

أذكر في أحد الأيام كنا نجلس مع أستاذي المفكر الكبير جمال بدوي في الديسك المركزي وكان وقتها رئيسا للتحرير، وبينما يدور الحديث ما بين السياسة وأنظمة الحكم والديمقراطية حتى وجه الأستاذ جمال حديثه إلى الأستاذ سعيد قائلا: شوف يا سعيد أنا شايف أن الديمقراطية ليست الأفضل دائما وأنها – أي الديمقراطية – هي مجرد وسيلة وليست غاية، وأضاف لك أن تعلم أن الديمقراطية لا تأتي دائما بالأفضل لأنها تعتمد على قواعد يشوبها الكثير من الشبهات في أحيان كثيرة.. واختتم الأستاذ جمال حديثه قائلا: الكلام ده يا سعيد اتفقنا عليه أنا وفؤاد باشا أمس بعد حديث طويل.  

اندهشت نحن شباب الصحفيين من كلام الأستاذ لأننا كنا نتصور وقتها أن الديمقراطية هي الأمل والرجاء وهي الطريق الأمثل إلى المدينة الفاضلة.  

 تذكرت هذا الحوار وأنا أتابع قيام الرئيس الأمريكي بايدن بإصدار قرار بالعفو عن نجله «هانتر» قبل أسبوعين من مثوله أمام المحكمة في 9 تهم تصل عقوبتها إلى السجن 17 عاما وغرامة مليون دولار.  

والغريب أن العفو جاء رغم الاعتراف الكامل من جانب المتهم أمام المحكمة الفيدرالية في لوس أنجلوس حيث أقر بالتهرب من سداد 1.4 مليون دولار وصرف الأموال على الجنس والمخدرات.  

 تذكرت ما قاله الأستاذ جمال بأن الديمقراطية ليست الأفضل ولا تأتي بالأفضل دائما وأن فيها «خيار وفاقوس».  

حقيقة لا أجد وصف حقيقي لهذه الديمقراطية لكن يمكن أن نقول أنها «الديمقراطية العرجاء» أو «ديمقراطية ساكسونيا» أو «الديمقراطية الملاكي».. أو «الديمقراطية الزائفة».. كيف لرئيس منتهية ولايته ويستعد لتسليم السلطة أن يصدر عفوا عن نجله في مثل هذه القضايا الخطيرة؟، وماذا عن الآخرين أمثاله الذين صدرت بحقهم أحكام مماثلة؟ لماذا لم يشملهم العفو؟ وأي ديمقراطية وأي تشريع هذا الذي يمنح الرئيس مثل هذا الحق؟  

كان الرئيس باراك أوباما وهو واحد من أقوى الرؤساء الأمريكيين يقول أنه لا يخشى على أمريكا من أعدائها ولكن يخشى عليها من العنصرية، ويرى فيها الخطر الأكبر الذي يهدد أكبر دولة في العالم.. والسؤال الآن إلى الرئيس أوباما وكل المؤسسات الحاكمة في الولايات المتحدة ألا ترون فيما فعله بايدن عنصرية؟  

إن ما فعله هذا الرئيس يعد جريمة مكتملة الأركان.. جريمة لا تسقط بالتقادم وتضرب أصول الحكم في أمريكا والتي تقوم على ديمقراطية أثبتت المواقف والأحداث أنها زائفة.  

هذا ما فعله بايدن رئيس أكبر دولة في العالم.. وعلى دراويش أمريكا والغرب المبشرين بالديمقراطية الزائفة أن يتواروا خجلا مما حدث. 

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا 

 

      t –  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر  لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية 

زر الذهاب إلى الأعلى