نون والقلم

فتوح الشاذلي يكتب: ترامب ومحمود خليل

كان جماعة من البدو الرحل مسافرين ذات مره في أحد الوديان، وعندما شعروا بالتعب من السفر قرروا نصب خيمتهم في مكان على ضفة الوادي بالقرب من الجبل.

وبينما هم يتناولون طعامهم شعروا ببعض الرمال والحجارة الصغيرة تتساقط من الجبل، فانتابهم الخوف ظناً منهم أن زلزالاً أو بركاناً سيقع، فنهض الجميع مسرعين وقاموا بمراقبة الجبل.. وبعد قليل خرج من أحد جحور الجبل فأرا.. ضحك الجميع وعندئذ قال شيخهم: «تمخض الجبل فولد فأراً»، وأصبحت مقولته انطلاقاً للمثل الشهير الذي تناقلته الأجيال فيما بعد عبر الأزمنة.

تذكرت هذا المثل وأنا أتابع ما فعله ترامب منذ أيام.. فقد استجمع رئيس أكبر دولة في العالم كل قواه وشحذ كل أسلحته وخرج عبر منصته «تروث سوشال» ليعلن للعالم أجمع توقيف الشاب الفلسطيني محمود خليل.. كتب ترامب بالنص على منصته: «بعد توقيعي للأوامر التنفيذية السابقة، تمكنت إدارة الهجرة والجمارك من القبض على محمود خليل، الطالب الأجنبي الراديكالي في حرم جامعة كولومبيا».

في البداية تخيلت أن محمود خليل هذا قيادي بارز في تنظيم عالمي جديد يستهدف أمن الولايات المتحدة أو إسرائيل على أساس أن أمريكا هي الراعي الرسمي لهذه الدولة الصهيونية.. وذهبت بتصوراتي إلى أبعد من هذا وقلت ربما يكون محمود خليل هو اسم لزعيم جديد سيكون امتدادا لزعماء العرب الذين قادوا ثورات التحرر ضد الاستعمار أمثال سعد زغلول وعمر مكرم ومصطفى كامل وعمر المختار وعبد القادر الجزائري.

أو ربما يكون نموذج جيفارا جديد يدعو إلى ثوره لإنصاف الشعوب الفقيرة من سطوة الدول الكبرى التي تنهب ثرواتها كما تفعل أمريكا وفرنسا مثلا مع بعض دول أفريقيا.

لكن بعد البحث اكتشفت أن محمود خليل هو مجرد طالب فلسطيني يدرس في جامعة كولومبيا وحاصل على الإقامة الدائمة في الولايات المتحدة لزواجه من أمريكية. استخدم حقه الدستوري في التظاهر السلمي للتعبير عن رأيه ضد مجازر الاحتلال الإسرائيلي في غزة.. هنا تذكرت المثل العربي الشهير «تمخض الجبل فولد فأرا».. وتأكدت أن الولايات المتحدة في طريقها إلى السقوط.

نزل رئيس أكبر دولة في العالم إلى مستوى طالب أو عدة طلاب تظاهروا ضد إسرائيل حتى أصبحنا أمام فيل يصارع نملة أو سرب من النمل.. وظهر ترامب وكأنه في حالة حرب وقال «سنقوم بالبحث عن هؤلاء المتعاطفين مع الإرهاب، وسنعمل على ترحيلهم من بلادنا».

هكذا سقط ترامب.. وهكذا تصرف رئيس أكبر دولة في العالم مع طالب أو عدد من الطلاب داخل إحدى الجامعات عبروا عن رأيهم سلميا طبقا للقانون والدستور.. وهنا يمكن القول أننا أمام رئيس أحمق وأرعن وجاهل لا يعرف شيئا عن السياسة وأصول الحكم ولا يدرك ما يفعله، وهو وضع كارثي ليس على أمريكا وحدها.. بل على العالم أجمع.

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

زر الذهاب إلى الأعلى