نون والقلم

فارس بن حزام يكتب: خاتمة معارك حفتر

خمسة أعوام من المعارك في ليبيا، والآن اندلعت خاتمتها، إما أن ينتصر قائد الجيش ويفرض السلام في بلاده، أو أن يهزم ويخلع بذلته العسكرية ويعود من حيث أتى.

معركة طرابلس لا تشبه أياً من معارك مدن عرفتها الدول العربية. ونحن أمام مشهد استثنائي غير مسبوق؛ بلد مقسوم شرقاً وغرباً، ولا يشبه لبنان في حرب شرق بيروت وغربها، ولا معركة صنعاء المؤجلة، وكل طرف يرفع راية الشرعية. ومثل كل قضايا العرب، تشكلت ثلاث جبهات سياسية؛ واحدة مع حكومة الشرق، وثانية مع حكومة الغرب، وثالثة في المنتصف، وقابلة بامتداد الصراع أو بسلام غير مكتمل.

أخبار ذات صلة

وتحرك قائد الجيش ليس مفاجئاً، وتحضيرات المعركة الحاسمة كانت علنية طوال الأسابيع الماضية، وبقي اختيار توقيت إطلاقها. ولكونها مصيرية، والخسارة تعني فقدان الثقة محلياً ودولياً، قرأ الجيش ظروف الجبهة الداعمة لمناوئيه، فتركيا غارقة بأزمتها الاقتصادية وصراعاتها السياسية، والمقاطعة العربية أبطأت حركة قطر، واستعادة زمام الحكم من قصر المرادية أشغلت جيش الجزائر، وللأخير خط أحمر وضعه أمام المشير خليفة حفتر، أن لا يتقدم نحو الغرب؛ لأنها ترى فيه تجاوزاً مصرياً لنفوذها المؤطر بحدود إقليم برقة شرقاً.

أما دولياً، فيمكن النظر إلى المؤثرين الأربعة. الاثنان الكبار، الولايات المتحدة وروسيا، غضا الطرف عن هجوم الجيش على العاصمة، واستخدما لغة كلاسيكية هادئة جداً، وفي الخفاء إسناد روسي لضمان نجاح العسكر، رغبة بموطئ قدم يطل على أوروبا جنوباً، ولتعزيز المؤسسة العسكرية، إذ كانت ولا تزال ذات مزاج روسي، وفي الأعوام الأخيرة بدأت تميل إلى أميركا قليلاً، ومصلحة الروس إعادة ضبط هذا المزاج وإحكام بوصلته. وأوروبياً، المعركة علنية بين إيطالياً وفرنسا، والأولى تناكف الثانية على ليبيا، وتسلك أي مسار مضاد. الطرفان يتسابقان للفوز بأكبر الحصص الاستثمارية الكبرى من نفط وغاز ومشاريع إعادة إعمار. في الوعي السياسي الإيطالي، تشعر روما أن طرابلس آخر ما تبقى لها من استعمار في أفريقيا، وحافظت عليه طوال عهد «الأخ العقيد»، ولا تريد الهزيمة مرتين، أما فرنسا فتشعر أنها مسؤولة عن امتداد ساحل الأبيض المتوسط، وتسند الجيش في معركته، وتبقي على هذ الوصل مع حكام طرابلس الحاليين.

وفق ذلك، نجد أن المشير خليفة حفتر يتحرك تحت غطاء عربي ودولي لم يحظ به في الأعوام الأولى لمعركته، وأخطر ما تهدده معركته حصول مقاومة شرسة لم يحسب حسابها جيداً، ما يطيل أمدها، فيلجأ قادتها إلى الطائرات والصواريخ والمدفعية الثقيلة، وعندها تتحول إلى «عادة يومية»، وهذه أسوأ الحروب.

نقلا عن صحيفة الحياة

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى