فاتن الزعويلي تكتب: السيسي شعبية جارفة وتأثير إقليمي متنامٍ
أبدت الولايات المتحدة الأمريكية قلقها المتزايد من الشعبية الجارفة التي يتمتع بها الرئيس عبد الفتاح السيسي، واصفة إياها بالتي كان يحظى بها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في فترة مضت.
الرئيس السيسي، الذي يتمتع بشعبية واسعة ودعم كبير من الجماهير، يظهر كقائد ذو كاريزما قوية تمكنت من جذب الغالبية العظمى من الشعب. هذا الوضع يعزز مكانته ليس فقط على الساحة الوطنية وإنما أيضًا في السياسات الإقليمية المحيطة بمصر.
الأمر الأكثر إثارة للانتباه، وربما للقلق من وجهة نظر واشنطن، هو أن الرئيس السيسي يحظى بدعم مطلق من المؤسسات السيادية الأساسية في البلاد، مثل القوات المسلحة والشرطة وأجهزة المخابرات. هذه الركائز تصنع منه قائدًا قويًا يصعب تجاهله أو التقليل من تأثيره سواء داخليًا أو خارجيًا.
من جهة أخرى، ترى الولايات المتحدة في هذا التوجه خطرًا يشبه إلى حد بعيد ما مثله جمال عبد الناصر في الماضي، حيث رفع شعار الاستقلال الوطني وألقى بظلاله على المصالح الغربية في المنطقة.
الرئيس السيسي، رغم أن رؤيته السياسية تختلف من بعض النواحي، إلا أن تعاظم دوره الإقليمي والدولي قد يخلق تحديات تتعارض مع أجندة الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
بالتالي، قد يكون هذا التشابه بين الشخصيتين سببًا رئيسيًا لتوتر العلاقات في الأفق، حيث تميل الولايات المتحدة غالبًا إلى الحذر من القادة الذين يتمتعون بالاستقلالية والقدرة على التأثير الكبير داخل حدود بلادهم وخارجها.
أزمة العلاقة بين واشنطن والرئيس السيسي التي تلت أحداث 30 يونيو تكشف عن تعقيد الديناميكيات السياسية بين البلدين، حيث تجد الولايات المتحدة نفسها في موقف متناقض. فعلى الرغم من أنها تعتبر من أبرز الجهات المانحة للمساعدات الاقتصادية والعسكرية لمصر، إلا أن تلك المساعدات لم تمنحها القدرة على فرض رؤيتها أو إملاء قراراتها كما قد يُتوقَّع.
هذا التوتر ينبع من تحول النظام السياسي في مصر بعد الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين، حيث أعادت الإدارة المصرية بلورة نهجها لتُظهر استقلالية في اتخاذ القرار الوطني. وبهذا، أصبحت القاهرة تتعامل مع المعونات الأمريكية كسلاح ذو حدّين، تقبل بدورها الاقتصادي والعسكري، لكنها تبني سياساتها على أسس سيادية بحتة.
من وجهة النظر الأمريكية، فإن هذا الوضع يشكل تحدياً لنهجها التقليدي في استخدام المساعدات كأداة للتأثير الاستراتيجي. ورغم الانتقادات التي توجهها بعض المنظمات الحقوقية والدعوات لإعادة تقييم نوعية العلاقات مع مصر، يبدو أن واشنطن تدرك أهمية استمرار التعاون مع القاهرة تحت مظلة المصالح المشتركة، خاصة في القضايا الأمنية ومكافحة الإرهاب.
في المقابل، تسعى القيادة المصرية إلى تنويع خياراتها الدولية لمنع أي جهة خارجية من الحصول على نفوذ مطلق على قراراتها الداخلية. وبرغم التحديات الاقتصادية، فإن الدولة المصرية تظهر رغبة في تعزيز علاقاتها مع قوى عالمية أخرى كالصين وروسيا لتقليص الاعتماد على واشنطن.
بالتالي، يمكن القول إن الأزمة ليست مجرد مسألة مساعدات تُقدَّم أو تُوقف، بل إنها تعبير عن إعادة رسم خارطة العلاقات الدولية لمصر وطريقة تفاعلها مع القوى الكبرى.
يبقى السؤال قائماً: هل يمكن للجانبين تجاوز الخلافات وتحقيق نوع من التوازن الذي يخدم المصالح المشتركة؟ الإجابة على هذا قد تكون مرهونة بالطبيعة المتحولة للسياسة الإقليمية والدولية.