ما لم تحدث «المعجزة» في ربع الساعة الأخير، فإن سوريا ستكون على موعد وشيك مع «عدوان ثلاثي» جديد، تلعب فيه واشنطن دور «رأس الحربة»، وتتناوب فرنسا وبريطانيا على دور «الكومبارس» فيه … كل الدلائل تشير إلى أن إدارة الرئيس ترامب عاقدة العزم على توجيه ضربة لئيمة ومؤلمة لسوريا، إن أخفقت الدبلوماسية في استغلال ما تبقى من «سويعات»، لنزع فتيل الانفجار.
ثمة أسباب ثلاثة، تجعل الضربة آتية لا ريب فيها: (1) حاجة الرئيس الأمريكي الدائمة، لتأكيد صورته التي يرغب في رؤيتها (وترميمها بين الحين والآخر)، بوصفه زعيماً قوياً وحازماً، بخلاف سلفه باراك أوباما الضعيف والمتردد…. (2) حاجة واشنطن لترميم صورتها الردعية في سوريا، وتأكيد دورها العالمي المهيمن، في مواجهة التمدد الروسي، ونجاحات الكرملين في الاستحواذ على الملف السوري … (3) حاجة واشنطن لترميم علاقاتها مع حلفائها، الذين أشعرهم قرار ترامب بسحب قواته «قريباً جداً» من سوريا، وتركها للأطراف الأخرى لإدارة أمورها، بالخذلان.
وثمة خصائص ثلاث ستميز «العدوان الثلاثي» الجديد، عن الضربة الصاروخية الأمريكية لمطار الشعيرات قبل عام … (1) واشنطن لن تذهب إلى المعركة منفردةً، بل ستجر معها عدداً من الدول الغربية، وربما العربية، المؤكد أن فرنسا وبريطانيا ستشاركان في أي عمل عسكري يقرره ترامب … (2) أن الضربة هذه المرة، بخلاف الضربة الفائتة، ستطال مروحة واسعة من الأهداف في سوريا، وليس هدفاً واحداً فقط، وقد تشمل إلى جانب الأهداف العسكرية، رموزاً سيادية للدولة والنظام، وربما في قلب دمشق … (3) أن الضربة الجديدة هذه المرة، قد تطاول أهدافاً إيرانية على الأرض السورية كذلك، ولن يصرف البنتاغون وقتاً وجهداً للتأكد من عدم وصول الصواريخ إلى هذه الأهداف، وفي رسالة لا تخفى دلالاتها على أحد.
وثمة رسائل ثلاث تستبطنها أجنحة «الصواريخ المجنحة» التي ستنطلق صوب أهدافها … الأولى؛ لموسكو، ومفادها أن العالم ما زال بعيداً عن نظام «التعددية القطبية»، وأن واشنطن وحدها ما زالت تتربع على رأس نظام القطب الواحد … والثانية؛ إلى طهران، عشية انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي معها، بعد شهر من الآن، ومفادها، أن عصر أوباما «المتراخي» قد ولّى، وأن عليها أن تنتظر أياماً عصيبة … والثالثة؛ في الطريق إلى تركيا، التي تبدو في حالة صدام مع واشنطن وحلفائها في منبج وشرق الفرات، ومفادها أن التقرب بأكثر مما ينبغي من موسكو وطهران، خيار مكلف، وأن عليها «العودة إلى رشدها»، فليس لها سوى الحليف الأمريكي ومظلة «الناتو».
ستحرص واشنطن هذه المرة، كما في المرة السابقة، على تجنب الصدام المباشر مع روسيا والابتعاد قدر الإمكان عن قواعدها وجنودها … لكنها ستكون مهمة صعبة للغاية، في ظل الانتشار الواسع للجنود والخبراء الروس في معظم القواعد العسكرية السورية … والأرجح أن البنتاغون سيعتمد على القوة الصاروخية الأمريكية لتفادي «منظومات الدفاع الروسية المتطورة» المنتشرة في سوريا، لإن اسقاط منظومات الـ«إس 400» الروسية لطائرات حربية أمريكية، قد يدفع بالقوتين العظميين للانزلاق من «حافة الهاوية» حيث تقفان الآن، إلى قعرها.
ترامب صعد إلى أعلى قمة الشجرة، وبعد سيل التهديد والوعيد الذي تدفق بغزارة على لسانه وفي «تغريداته» ضد الأسد، وضد بوتين (للمرة الأولى)، وسيكون من الصعب عليه التراجع، وهو المسكون بهاجس صلابته و«فولاذيته» … أما «قيصر الكرملين»، المسكون بدوره بهاجس الصورة والكاريزما، فيواجه تحدياً مماثلاً، إذ من الصعب عليه أن يقف مكتوف اليدين، وهو يرى هيبته الشخصية تهدر وكبرياء العسكرية الروسية تراق وانتصاراته السورية تذهب بددا.
ترامب سيضرب، وبوتين سيرد، وكلاهما سيحاول، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، بأن تظل الضربة والضربة المضادة في الحدود التي يمكن السيطرة عليها واحتواء تداعياتها … لكن هيهات أن تكون هناك ضمانة من أي نوع، لتفادي مواجهة السيناريو الأسوأ.