نون والقلم

عثمان ميرغني يكتب: هل استعد العرب لهذه الحرب؟

حروب الاستخبارات بطبيعتها تحدث في الغالب الأعم سراً، ومن وراء حجب سميكة، إلا في الحالات التي يراد منها توجيه رسائل علنية، للترهيب أو الترغيب أو التضليل.
وفي عصر الإنترنت وثورة الاتصالات والمعلومات، اكتسبت هذه الحروب أدوات جديدة جعلتها أكثر قوة وخطرا، إلى الحد الذي جعل البعض يشبه قوتها التدميرية بالقنبلة النووية. معظم أجهزة الاستخبارات لديها اليوم وحدات للأمن الإلكتروني والمعلوماتي، وهي وحدات دفاعية وهجومية أيضا إن اقتضى الأمر. ذلك أن الفضاء الإنترنتي بات ساحة حرب مفتوحة بالغة التأثير والخطورة بين الدول ومع عصابات الجريمة المنظمة وجماعات الإرهاب والتطرف، والتحسب لها جزء مهم من منظومة الأمن القومي.
خلال الأيام الماضية مرّت عدة أخبار في إطار هذه الحرب. ففي لندن نشرت تقارير عن أن الحكومة البريطانية حذرت روسيا من أنها سترد على أي هجمات إلكترونية تهدد مصالحها وأمنها القومي، بما في ذلك قطع الكهرباء عن الكرملين باستهداف كومبيوترات شبكة الإمداد. وجاءت هذه التحذيرات والتسريبات بعدما اتهم مسؤولون بريطانيون وحدة تابعة للاستخبارات العسكرية الروسية بأنها وراء محاولة اختراق أجهزة وزارة الخارجية البريطانية بعد هجمات إلكترونية سابقة على معمل العلوم والتكنولوجيا التابع لوزارة الدفاع.
بالتزامن مع الاتهامات البريطانية، نُشرت تقارير في هولندا والولايات المتحدة عن تفاصيل عمليات روسية في إطار الحرب الإلكترونية، استهدفت مؤسسات علمية ودولية، مثل المعمل الذي قام بتحليل عينات الغاز السام، الذي استخدم في محاولة اغتيال العميل الروسي سيرغي سكريبال وابنته في بريطانيا في مارس (آذار) الماضي، إضافة إلى مؤسسات رياضية مثل الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» حيث أمكن سرقة ملفات طبية تخص 250 رياضياً من نحو 30 بلداً. كما اتهم العملاء الروس بالتجسس الإلكتروني على وكالة محاربة استخدام المنشطات في الرياضة، ردا على الاتهامات التي قادت إلى منع روسيا من المشاركة في الأولمبياد الشتوي لعام 2018.
ونشرت هولندا صور 4 روس، وصفتهم بأنهم عملاء في الاستخبارات العسكرية الروسية جرى توقيفهم وترحيلهم من الأراضي الهولندية بعد ضبطهم متلبسين بمحاولة التجسس إلكترونياً على منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، التي حققت في الاتهامات الموجهة ضد روسيا باستخدام غاز الأعصاب لتصفية عميلها السابق سكريبال، وفي الاتهامات الموجهة ضد سوريا باستخدام غازات سامة خلال الحرب.
في واشنطن أعلنت وزارة العدل الأميركية لائحة اتهامات ضد 7 أشخاص، قالت إنهم ينتمون إلى الاستخبارات العسكرية الروسية، واتهمتهم بالتورط في عمليات قرصنة إلكترونية، امتدت إلى عدة مؤسسات داخل الولايات المتحدة وخارجها. ومن بين هؤلاء السبعة، هناك 3 وردت أسماؤهم في إطار التحقيقات التي يجريها المحقق الخاص روبرت مولر في عمليات القرصنة الإلكترونية والتشويش المعلوماتي التي نفذتها روسيا للتأثير على انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016.
هذه الحملة المنسقة لتشديد الضغط على روسيا لا تكشف بالطبع سوى جزء يسير من الحرب الإلكترونية المستعرة التي أعادت إلى السطح أجواء شبيهة بأجواء الحرب الباردة. فروسيا كما اتضح من خلال كثير من الأحداث كثفت من نشاطها في هذا المجال، ولا سيما مجال حرب المعلومات التي وجدت فيها سلاحاً قوياً للتدخل في العمليات السياسية والانتخابية في الغرب، بالتأثير على الرأي العام عبر منصات التواصل الاجتماعي وساحة الإنترنت. فهذا السلاح «الشعبوي» يعطي روسيا قدرة تفوق في كثير من الأحيان وسائل التجسس التقليدية، ويجعل يدها أطول للتدخل في الغرب وإرباك مؤسساته الديمقراطية. فمن الولايات المتحدة إلى بريطانيا وفرنسا وألمانيا، صدرت اتهامات رسمية لروسيا بالتدخل للتأثير في العمليات الانتخابية، وهو أمر يشعر معه كثيرون في الغرب بأنهم لا يملكون إزاءه قدرة كافية للردع والرد؛ لأن الانتخابات في روسيا لا تشبه الانتخابات في الغرب، وإمكانية التدخل فيها بتوجيه الرأي العام تبدو محدودة للغاية.
وإذا كانت روسيا تشكل خطرا متزايدا في مجال حرب الفضاء المعلوماتي، فإن الصين تشكل تهديدا أكبر في مجال التجسس الصناعي. فقد شن نائب الرئيس الأميركي مايك بنس هجوماً عنيفاً على الصين في سلسلة من التصريحات بداية الشهر الحالي، قائلا إن ما تقوم به الصين في مجال حروب الإنترنت والمعلومات والقرصنة الإلكترونية يفوق ما تقوم به روسيا ومثير للقلق أكثر. بعدها بأيام كشفت واشنطن أن مسؤولاً استخباراتياً في وزارة الأمن الوطني الصينية اعتقل في بلجيكا وسُلم إلى السلطات الأميركية أخيراً لمحاكمته بتهمة التجسس ومحاولة سرقة أسرار متعلقة بصناعة محركات الطائرات.
الولايات المتحدة ظلت منذ فترة طويلة توجه اتهامات للصين باستخدام وسائل القرصنة الإلكترونية والبشرية، لسرقة معلومات عسكرية وصناعية وتجارية وأكاديمية من أميركا لاستخدامها في تطوير صناعاتها وقوتها الاقتصادية والعسكرية وتوسيع نفوذها العالمي. وكلام نائب الرئيس الأميركي، والإعلان عن تسلم المسؤول الاستخباراتي الصيني لمحاكمته، لا يمكن فصلهما عن الحرب التجارية المستعرة حالياً بين الماردين الاقتصاديين.
هذه الحروب تعنينا في المنطقة العربية؛ لتداعياتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، وتعنينا أكثر لأن دولاً مجاورة مثل إيران وبالتأكيد إسرائيل قطعت شوطاً في مجال الحروب الإلكترونية… فهل تقوم الدول العربية بما يكفي لتعزيز قدراتها في هذا المجال، أم تبقى فريسة سهلة في حرب المستقبل؟

نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط السعودية 

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى