نون والقلم

عبد الله الأيوبي يكتب: شعلة فلسطين لن تنطفئ

في الأول من يناير عام 1965، أي بعد مرور ما يربو على سبعة عشر عاما على اغتصاب فلسطين وإقامة «إسرائيل» أعلنت مجموعة العناصر الوطنية الفلسطينية بقيادة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات انطلاق شرارة الثورة الفلسطينية المسلحة، التي جاءت في أوج انتشار حركات التحرر الوطني في مختلف القارات في وجه القوى الاستعمارية التي هيمنت وصادرت حريات الشعوب ونهبت ثرواتها والتي كان من ضمنها مصادرة أرض فلسطين وتشريد سكانها وإحلال مستوطنين مكانهم من مختلف دول العالم، تنفيذا لوعد وزير خارجيّة المملكة المتحدة آرثر بلفور في الثاني من نوفمبر عام 1917، بإقامة وطن لليهود على أرض فلسطين، مع العلم أن اليهود في ذلك الوقت كانوا يشكلون نسبة تتراوح بين ثلاثة إلى خمسة في المائة من إجمالي سكان فلسطين.

أخبار ذات صلة

كان انطلاق الثورة الوطنية الفلسطينية بمثابة إعلان وطني صريح عن رفض الشعب الفلسطيني مؤامرة تقسيم فلسطين ومصادرة الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني وتأكيدا على حق الشعب الفلسطيني في اللجوء إلى كل السبل والخيارات للحفاظ على هذه الحقوق واستعادتها، لكن هذا الطموح الوطني الفلسطيني اصطدم بجدار القوى الاستعمارية والامبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي أخذت على عاتقها حماية «إسرائيل» والدفاع عنها في مختلف المحافل الدولية وتمكينها من تجاوز القوانين الدولية والاستهتار بها، علاوة على ذلك توفير مختلف مقومات القوة العسكرية والاقتصادية التي مكنتها من ابتلاع كامل تراب فلسطين تجاوزا لقرار التقسيم الصادر عام 1947 إضافة إلى احتلال أراض عربية أخرى في سوريا ولبنان.

الثورة الفلسطينية المسلحة لم تستطع تحقيق الأهداف التي انطلقت من أجلها لأسباب كثيرة منها الذاتية ومنها الموضوعية، فالحركة الفلسطينية المسلحة التي قادتها حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) بقيادة أبو عمار والرعيل الأول من القادة الفلسطينيين تشظت إلى أكثر من حركة مسلحة فتشتت قواها العسكرية والسياسية ودبّت الخلافات في صفوفها علاوة على وقوعها في مستنقع الخلافات العربية العربية، ما جعل فصائلها محل جذب لهذه الدولة أو تلك، إلى جانب ذلك ان الظروف الموضوعية المحيطة بالقضية الوطنية الفلسطينية وبالنضال الفلسطيني المسلح لم تصب في صالح هذا النضال، بل على العكس من ذلك، فقد تكالبت القوى الاستعمارية الداعمة «لإسرائيل» من أجل تشويه هذا النضال ومحاصرته انتهاء بفقدان أهم الحلفاء الدوليين بسقوط المعسكر الاشتراكي، وعلى رأسه الاتحاد السوفيتي السابق.

رغم كل هذه الإخفاقات، فإنه يسجل للثورة الوطنية الفلسطينية أنها الشرارة التي لم تنطفئ حتى الآن بعد مرور ثلاثة وخمسين عاما على اشتعالها، وتعرضها لشتى الضربات العسكرية والاقتصادية والسياسية من مختلف الأطراف بما فيها الشقيقة، حققت الثورة خلال مسيرة خمسة عقود من عمرها أهم إنجاز تاريخي يخدم القضية الفلسطينية، والذي يتمثل في إبقاء هذه القضيةٍ حاضرة في مختلف المحافل الدولية فأفشلت الثورة جميع محاولات طمس القضية والإلقاء بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في غياهب الزمن.

ليست هينة تلك الضربات التي تعرضت لها الثورة الوطنية الفلسطينية طوال مسيرتها وأخطرها تلك الطعنات التي تلقتها في الظهر، ناهيك عن الحرب الضروس التي يشنها الكيان عسكريا وسياسيا واقتصاديا وصلت إلى حد تنفيذ جرائم اغتيال بحق القادة الفلسطينيين في مختلف عواصم العالم توجها بمحاصرة واغتيال الزعيم التاريخي للثورة الفلسطينية الشهيد ياسر عرفات عبر محاصرته في مقره بمدينة رام الله في الضفة الغربية المحتلة واغتياله على الطريقة الاستخباراتية، ومع ذلك فإن نجم الثورة الفلسطينية لم يأفل وبقي متلألئا يزين سماء فلسطين حتى يومنا هذا.

ربما لم تتعرض ثورة في تاريخ النضال الوطني التحرري للشعوب لضربات ومؤامرات كتلك التي تعرضت وما زالت تتعرض لها الثورة الوطنية الفلسطينية، فهذه الثورة لم تواجه مؤامرات وضربات الأعداء فحسب وإنما خيبات وخذلان الأشقاء والأصدقاء، وليس تجنيا على هؤلاء القول بأن الثورة تركت شبه وحيدة في ميدان الصراع تواجه الاستفراد الصهيوني المدعوم بأعتى القوى العالمية، عسكريا واقتصاديا، هذه القوى لم تتردد في محاصرة الثورة وتضييق الخناق على توجهاتها وبرامجها التحررية بغية إركاعها وإجبارها على القبول بالأمر الذي تريد «إسرائيل» وحلفاؤها أن يفرضوه لكن شعب الجبارين، كما يحلو للزعيم أبو عمار ترديده، وقف عصيّا أمامهم، ما أسهم في إبقاء مشعل الثورة متقدا.

يعرف القادة الفلسطينيون أكثر من غيرهم أن طريق النضال الذي اختاره شعبهم من أجل استمرار شعلة التمسك بالحقوق التاريخية المشروعة للشعب الفلسطيني هو طريق مليء بالعقبات الكأداء والمطبات الخطيرة، وأن ثمن مواصلة السير عليه عادة ما يكون مكلفا وعاليا، ولكن في مواجهة قوة غاشمة لا تتوانى عن ارتكاب أبشع الجرائم ضد الإنسانية، لا يبقى بديلا أمام هذا الشعب سوى الاستمرار في السير على هذا الطريق، بل أثبتت التجارب والأحداث التي مرت على مدى ما يزيد على العقود السبعة منذ ابتلع المستوطنون من شتى بقاع المعمورة أرض فلسطين، أنه الطريق الوحيد الكفيل بإبقاء الحقوق الفلسطينية المشروعة مشتعلة أمام مرأى المجتمع الدولي، هذا في حد ذاته إنجاز تاريخي يسجل لحساب الثورة الوطنية الفلسطينية وشهدائها الأبرار.

نقلا عن صحيفة اخبار الخليج البحرينية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى