نون والقلم
عبد العزيز النحاس يكتب: سقوط الأقنعة.. واستعادة القوى المدنية
-
على مسرح العمليات الأراضي السورية، تكشفت مؤخراً حقائق كثيرة، وسقت كل الأقنعة التي غابت عن الشعوب العربية لسنوات طويلة، وربما عن بعض القادة الذين تعاملوا مع القضية السورية من منظور ضيق أو بتوجيهات من بعض القوى الكبرى.. ومع صلابة واستمرار النظام السوري وتحديداً الجيش السوري مواجهة كل المخططات لتمزيق الدولة السورية جاء الغزو التركي لشمال سوريا كاشفاً لكل السيناريوهات والمصالح والصراعات على التورتة السورية، وتهاوت الأقنعة جميعها واحداً تلو الآخر بدءا من القرار الأمريكي بالانسحاب من شمال سوريا والتخلي عن الأكراد و قوات سوريا الديمقراطية الذي سبق ودعمهم بالسلاح مواجهة النظام السوري.. والواضح أن أمريكا قررت الاحتفاظ بالسيطرة على حقول النفط السورية التي يتم تهريبها عبر الأراضي التركية وإعادة تشكيل وتوجيه الجماعات الإرهابية لمناطق أخرى سوريا والعراق وبعض الدول العربية.
- المفاجأة الأمريكية على الأراضي السورية، وانسحابها التكتيكي لإفساح المجال للقوات التركية لاحتلال جزء من الأراضي السورية جاء مدروساً وبعناية في إطار السياسة الأمريكية الشرق الأوسط وعلى غرار ما حدث مع العراق سابقاً مرتين الأولى عندما أوعزت مادلين أولبرايت للرئيس صدام حسين بغزو الكويت بسبب الخلاف على أحد حقول النفط ثم عادت وجيشت العالم ضد العراق لتحرير الكويت وحققت الخزانة الأمريكية من وراء هذه الحرب مئات المليارات.. والثانية كانت بسبب الادعاءات الكاذبة بامتلاك العراق للسلاح النووي وكان الهدف القضاء التام على الجيش العراقي ورسم خريطة جديدة للعراق قائمة على الطائفية والعرقية من خلال دستور يؤسس لهذا الغرض، وهو ما تحقق بالفعل على أرض الواقع ونرى نتائجه بوضوح الآن كل المدن العراقية وبين طوائف الشعب العراقي الذي فقد الثقة حكومته وبرلمانه ومرجعياته، وانخرط مظاهرات واقتتال طائفي وعرقي لن ينتهي قبل عدة عقود أو مع ظهور قيادة وطنية خالصة تعيد بناء الجيش العراقي وباقي المؤسسات على أساس قومي وطني لحماية الوطن والشعب وثروات العراق في مواجهة كل المخططات الخارجية وأيضاً مواجهة النزعات الطائفية والعرقية بداخل العراق.
- نفس الأمر يتكرر سوريا وبأيدٍ تركية بعد أن أيقنت الإدارة الأمريكية هوس الرئيس التركي بإرث الدولة العثمانية، وبالفعل ابتلع أردوغان الطعم الأمريكي حتى استقر أحشائه وبعد دخوله الأراضي السورية اعتقد أن أحلامه الوهمية تتحقق بالفعل إلى حد أنه أسقط كل أقنعته دفعة واحدة وكشف بوضوح عن مخططاته وأطماعه في سوريا وليبيا ومصر ودول الخليج أمام منتدى تي أر تي وورلد ـ الذي عقد في اسطنبول مؤخراً وقال نصاً ـ الأتراك يتواجدون في سوريا وليبيا في جغرافيتهم من أجل حقهم واحتراماً لإرث الأجداد ـ مشيرا إلى أن تركيا هي وريث الإمبراطورية العثمانية ومن حقها إحياء المجد القديم، واعترف أردوغان بعمق العلاقة مع حكومة الوفاق في ليبيا وتقديم الدعم لها وللجماعات الإسلامية في الغرب الليبي معتبرا أن ما يقدمه هو دفاع عن الأمة الإسلامية والشعوب العربية التي انتفضت في الربيع العربي بحثا عن التحرر من قيود الحكام العرب.
- ولم تكن خطوة قيام أردوغان بإرسال قوات عسكرية إلى قطر وإنشاء قاعدة عسكرية على الأراضي القطرية بزعم حمايتها من جيرانها.. إلا محاولة عبثية من أردوغان لإحياء مشروعه الوهمي على الأراضي الخليجية من خلال موطئ قدم في الخليج وانتظارا لفرصة تسنح له بإرسال مزيد من القوات، وهو نفس الأمر الذي حدث سابقاً مع حكومة البشير في السودان عندما سمحت له بموطئ قدم في جزيرة سواكن على البحر الأحمر وبالقرب من الحدود المصرية.. كل هذه الإشارات وأحلام الزعامة التقطتها الإدارة الأمريكية وقررت الاستفادة منها استراتيجياً خاصة وأن تركيا ترتبط بعلاقات جيدة مع إسرائيل وهناك تعاون اقتصادي كبير بين الدولتين ولا ضرر من استخدام الدور التركي لمزيد من العبث والقلاقل واستنزاف تراث وموارد الدول العربية بالأيدي التركية، ثم التخلص من الدور التركي في النهاية بإسقاطه اقتصادياً.
- المؤكد بعد سقوط كل الأقنعة وحالة الاضطراب التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.. أن ثورة الثلاثين من يونيه كانت علاقة فارقة في مواجهة سيناريوهات كثيرة ومخططات لمستقبل هذه المنطقة وتحطمت معظمها على صخرة الإرادة الشعبية المصرية، وهو أمر يجب أن تنتبه إليه الإدارة المصرية وتعمل على تنميته واستغلاله، أو بشكل أدق على استعادته بسبب الإحباط الذي ضرب بعض فصائل القوى المدنية الحية في هذا المجتمع وكانت تمثل حائط الصد الأول في مواجهة الجماعة الإرهابية وكل الجماعات المتطرفة التي سعت لقيام دولة دينية في مصر.. والأمر يحتاج عملًا ممنهجًا من الدولة المصرية لاستعادة هذه الروح وهذا التلاحم الوطني على أن تكون البداية بمصالحة للجماعة الصحة والإعلامية بشكل عام التي تشعر بغبن وتجاهل وتهميش وأحيانا تطاول رغم أنها كانت في طليعة المدافعين عن الدولة الوطنية المصرية.
نائب رئيس الوفد
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا