نون والقلم

عبد العزيز النحاس يكتب: زعماء صنعوا التاريخ ورسخوا مبادئ

تحل بعد غدٍ ذكرى رحيل زعماء الوفد، سعد والنحاس وسراج الدين الذين أسسوا لمبادئ وقيم على مدار أكثر من قرن من الزمان، وما زالت راسخة حتى الآن في وجدان وضمير الشعب المصري، منذ أن قام الزعيم  خالد الذكر سعد زغلول بقيادة تيار الحركة الوطنية المصرية لمواجهة الاحتلال البريطاني والحماية العثمانية على مصر في مطلع القرن العشرين، واستغل موقعه كوزير للمعارف ثم وزيراً للحقانية في عملية التمصير وإعادة الهوية المصرية لعدد من مؤسسات الدولة، إلى أن حانت لحظة الصدام عندما أصبح وكيلاً للجمعية التشريعية المنتخبة من الشعب المصري وطالب المندوب السامي البريطاني بالجلاء عن مصر فى 13  نوفمبر 1918، وهو اليوم الذي يسمى بعيد الجهاد الوطني وتحول إلى عيد قومي لمصر حتى عام 1952.. إلا أن بريطانيا ردت على مطالب سعد زغلول بالرفض على اعتبار أن الجمعية التشريعية -أي البرلمان المصري في هذا الوقتـ مجمدة بسبب الحرب العالمية الأولى.

هنا كانت عبقرية سعد زغلول عندما قرر إشراك الشعب المصري وإدخاله في المعادلة السياسية من خلال جمع توكيلات من الشعب المصري مباشرة، وتأتى الصفعة قوية من الشعب عند ما حرر أكثر من ثلاثة ملايين توكيل في أقل من شهر، جاء نصها ـنحن الموقعين على هذا قد أنبنا عنا حضرات سعد زغلول ورفاقه في أن يسعوا بالطرق السلمية المشروعة حيثما وجدوا للسعي سبيلاً في استقلال مصر تطبيقا لمبادئ الحرية والعدل التي تنشر رايتها دولة بريطانية العظمى ـ وتستشعر بريطانيا العظمى خطراً شديداً من سعد زغلول  ورفاقه وتقوم بسحب مندوبها السامي السير ونجت الذي تعامل بدبلوماسية وتعين بدلاً منه أحد الجنرالات وهو السير اللمبى مندوباً سامياً على مصر للقضاء على الحركة الوطنية المصرية.. وبالفعل قرر نفى سعد زغلول ورفاقه إلى خارج مصر لتتحول القاهرة والأقاليم إلى كتلة لهب فى مواجهة الإنجليز.

عندما بدأ الطلبة في جامعة القاهرة مظاهراتهم في صبيحة يوم الأحد الموافق 9 مارس عام 1919 لتفجير شرارة الثورة الأم.

أيقن سعد زغلول وهو في المنفى أهمية قوة الجماهير وجاءت مفاوضاته مع الإمبراطورية العظمى من منطلق قوة بعد أن وحدت الثورة جميع المصرين وارتفعت شعارات الدين لله والوطن للجميع وعاش الهلال مع الصليب، وانضمت المرأة إلى المظاهرات وقادت صفية زغلول وهدى شعراوي سيدات وهوانم مصر في المظاهرات وانتشرت الجمعيات النسائية فى المحافظات وبرز دور المرأة المصرية، وعلا الشعور الوطني وأعاد طلعت باشا حرب فكرته لإنشاء بنك مصر وأطلق الزعيم سعد زغلول نداءه للمصريين بسحب أموالهم من البنوك الإنجليزية والأجنبية وشراء صكوك بنك مصر ليتحول إلى قاعدة لبناء اقتصاد وطني.. ثم تحصل مصر على استقلالها عام 1922 وتتحول إلى مملكة، وبدأ المصريون في وضع دستور جديد، وتم إقراره في عام 1923 وكلنا يعلم أنه من أعظم الدساتير المصرية الذي أسس لدولة المواطنة والحريات وأجريت بعده انتخابات 1924 التي فاز بها الوفد باكتساح  وسميت الوزارة برئاسة سعد زغلول بوزارة الشعب بعد أن رسخت لمبدأ سيادة الشعب.

تحول الزعيم سعد زغلول إلى أيقونة عالمية يسير على دربه كل الثوار والمناضلين والشعوب المقهورة والمحتلة، وكان أبرزهم الزعيم الهندي غاندي الذي سار على دربه لتحرير الهند، وقال مقولته الشهيرة ـسعد ليس لكم وحدكم سعد لنا جميعاً وللإنسانية.. ومع أن الموت غيَّب جسد سعد في 23 أغسطس عام 27، إلا أنه لم يغيب مبادئه التي سار عليها مصطفى النحاس ورفاقه لاستكمال مشروع نهضة الأمة المصرية الذي بدأه سعد، وكان النحاس أكثر صلابة وتشددا في معاهدة 36 التي حددت العلاقة بين مصر وبريطانيا ووجود بعض القوات الرمزية في مدن القناة بهدف حماية المجرى الملاحي الدولي واستكمل مشروع الدولة المدنية وترسيخ حقوق العمال وإنشاء النقابات العمالية وقوانين مجانية التعليم الذي أطلقه وزير المعارف طه حسين فى حكومة النحاس وإنشاء الجامعة العربية.. ولم تجد بريطانيا بداً من إنشاء جماعة دينية لتعطيل حكومة الوفد ليقع اختيارها على حسن البنا في الإسماعيلية لإنشاء هذه الجماعة.

يشعر النحاس بحسه الوطني أن حسن البنا بدأ ينحرف عن مسار الدعوة إلى السياسة ويستدعيه لسؤاله بشكل مباشر عن سبب اهتماماته السياسية، ويأتي رد البنا بأنه لا تعارض بين الدين والسياسة، وهنا يحذره النحاس بعفويته وصلابته المعروفة وقولته الشهيرة ـ أنت عاوز تبقى الشاطر حسن مش الشيخ حسن ـ ويرد النحاس على العبث البريطاني بإلغاء معاهدة 36 عام 1951 واعتبار القوات البريطانية في مدن القناة قوات  غير شرعي لتبدأ العمليات الفدائية ضدها وتحدث معركة الإسماعيلية الشهيرة مع قوات الشرطة المصرية الباسلة التي كان بطلها فؤاد سراج الدين، ومع أن ثورة 52 ألغت الأحزاب والحياة السياسية، إلا أن يوم الثالث والعشرين من أغسطس عام 1965 فجّر مشاعر عامة المصريين عندما علموا بوفاة الزعيم خالد الذكر مصطفى باشا النحاس لتتفجر شوارع وميادين القاهرة بعشرات ومئات الآلاف بهتاف واحد ـ لا زعيم بعدك يا نحاس ـ ويخطف جسمان الزعيم للصلاة عليه ثلاث مرات، ويتم القبض على المئات لمشاركتهم في جنازة الزعيم التي أرادوها سرية.

وبعد مرور أكثر من ربع قرن اعتقد البعض أن الوفد غاب ولكن مع إعلان عودة الأحزاب عام 78 كانت المفاجأة باشتراك مليوني مصري بعضوية الوفد في ثلاثة أسابيع فقط، ومع أول مؤتمر للزعيم فؤاد سراج الدين في ميدان المنشية وحضور عشرات الآلاف أيقن فؤاد سراج الدين الخطورة بعد خطاب السادات، واستبق الأحداث بقرار تجميد الحزب إلى أن عاد فى عام 1984 بنفس مبادئ وثوابت الآباء المؤسسين سعد والنحاس، وخاض العشرات والمئات من المعارك السياسية لتحويل مصر إلى دولة ديمقراطية، وكان دائماً الانحياز إلى الوفد باعتباره ضمير الأمة وصاحب اللبنات الأولى في بناء الدولة المدنية الوطنية القائمة على العدالة والمساواة وحقوق الإنسان والحريات العامة كأسس للدولة الديمقراطية.. رحم الله زعماء الوفد الثلاثة.

نائب رئيس الوفد
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

 

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى