العلاقات المصرية الفرنسية عميقة ومتجذرة، منذ حوالي قرنين من الزمان وتحديدًا في فترة محمد علي باشا. الذي استعاد اكتشاف وبناء مصر الحديثة. مستعينًا في ذلك بالعلماء والقادة الفرنسيين الذين تم ملاحقتهم في فرنسا وأوروبا بعد سقوط إمبراطورية نابليون بونابرت. ومنحهم محمد علي ملاذًا آمنًا للعيش في مصر والاستعانة بخبراتهم العلمية والاقتصادية، والعسكرية.
كما كانوا إحدى أدواته في بناء وتخطيط مصر الحديثة، وساهموا في بناء وتدريب الجيش المصري، الذي تحول في سنوات قليلة لأحد أقوى الجيوش العالمية بقيادة القائد إبراهيم باشا. كما كان للبعثات من الطلبة المصريين إلى أوروبا أثر كبير على المجتمع المصري وتحضره وتقدمه. إضافة إلى اكتشاف ديليسبس مشروع إنشاء مجرى قناة السويس بين البحرين الأحمر والمتوسط لربط شرق العالم بغربه، لتصبح أهم مجرى ملاحي في العالم لخدمة التجارة العالمية، وأيضًا كأحد أهم المشروعات الاقتصادية لمصر.
وإذا كانت العلاقات المصرية الفرنسية قد شهدت تطورًا ملحوظًا في السنوات القليلة الماضية. وتحولت إلى علاقات استراتيجية بعد أن قرر الرئيس عبدالفتاح السيسي تنويع مصادر السلاح والاعتماد على فرنسا وألمانيا في هذا الشأن.
فإن الزيارة الأخيرة للرئيس عبد الفتاح السيسي إلى فرنسا والتي اختتمها أمس تبقى لها أهمية خاصة وتؤسس لمرحلة جديدة من استراتيجية العلاقة بين البلدين بسبب التوترات الأخيرة التي حدثت بين فرنسا والعالم العربي والاسلامي. وأيضًا بسبب الوضع الملتهب في شرق المتوسط. وتزايد حدة الصراع على ثروات المنطقة. إضافة إلى الأحداث الجارية في ليبيا وسوريا.
والواضح منذ اللحظة الأولى لوصول الرئيس السيسي إلى باريس وحفاوة الاستقبال وترتيب لقاءات عديدة مع المسئولين الفرنسيين. أن الزيارة ذات طبيعة خاصة، وتأكد ذلك من خلال المؤتمر الصحفي للسيسي وماكرون الذي شكل حوارًا حضاريًا راقيًا لم تنقصه الصراحة في أي جانب. وأزال التباسًا كبيرًا لدى كلا الطرفين في مسائل حقوق الإنسان والإرهاب والتطرف وغيرها من القضايا التي تختلف فيها وجهات النظر بسبب التفاوت في الثقافات والقيم والعادات والتقاليد بين الشرق والغرب التي توقف أمامها الرئيس السيسي بعبارات قاطعة ورسائل واضحة. أهمها أنه لا أحد يستطيع أن يفرض على الشعب المصري ما لا يريده. وأن مهمته حماية مائة مليون مصري. كما التأكيد من جديد على أنه لا علاقة لأى دين بالإرهاب، كما أشار إلى أن انتهاك القيم الدينية مخالف لحقوق الإنسان.
ويبقى الجانب الأهم في هذه الزيارة، وهو إعادة ترتيب أوراق الشرق الأوسط للمرحلة القادمة. وكلنا يعلم أن هناك تغيرات كثيرة حدثت على المسرح العالمي. وعلى رأسها الانتخابات الأمريكية وفوز المرشح الديمقراطي بايدن الذي يبدأ مهام عمله في يناير القادم.
وفى المقابل هناك قمة أوروبية هامة نهاية هذا الشهر. وعلى رأس أولوياتها الأحداث الملتهبة في شرق المتوسط والاستفزازات التركية المتكررة. إضافة إلى الملفين الليبي والسوري وغيرهما من الملفات التي تهم مصر وأمنها القومي. الأمر الذي يستدعي تنسيقًا مصريًا أوروبيًا. وهذا ما تم تأكيده وترسيخه في القمة المصرية الفرنسية. وهذا ما أعلنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عندما أكد على أن دور مصر رئيسي ومحوري في الشرق الأوسط. وأن الشراكة الاستراتيجية مع مصر ضرورة لاستقرار الشرق الأوسط والمتوسط.
ومن المؤكد أن تداعيات هذه القمة سوف تمتد إلى القمة الأوروبية وقراراتها سواء في مواجهة الاستفزازات التركية في شرق المتوسط أو على الأراضي الليبية والسورية. وإذا نظرنا إلى باقي جوانب هذه القمة اقتصاديًا وثقافيًا. سوف نعى أنها كانت زيارة تاريخية هامة في هذا الوقت الدقيق التي تمر به منطقة الشرق الأوسط.
حمى الله مصر من كل سوء.
نائب رئيس الوفد
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية