نون والقلم

عبد العزيز النحاس يكتب: المسئولية المجتمعية.. وبناء الدولة الحديثة

نحن فى حاجة إلى إعادة استدعاء وترسيخ قيم ومفاهيم غابت عن مجتمعنا لسنوات وعقود طويلة، باعتبار أنها أحد أسس بناء المجتمعات العصرية الحديثة.. ومع غياب هذه القيم يستمر غياب الحداثة والتحضر، بل وإهدار كثير من موارد الدولة وجهود بعض المؤسسات التى تعمل بكفاءة عالية.

بناء الدولة الحديثة يحتاج إلى ترسيخ مفهوم المشاركة المجتمعية، وهو مفهوم راسخ فى أوروبا وأمريكا وكل الدول التى انتقلت إلى الحداثة والتحضر من خلال المشاركة المجتمعية التى يعى فيها الفرد مسئوليته تجاه مجتمعه وتعى فيها الحكومة ومؤسسات الدول مسئوليتها تجاه الفرد ـ أى يعى كل طرف مسئوليته تجاه الآخر ـ هو مفهوم ما زال غائبًا عن مجتمعنا رغم أنه مفهوم أخلاقى بالمقام الأول حيث يكون الإنسان مسئولًا عن تصرفاته وسلوكه أمام ذاته ومجتمعه.

من هذا المنطلق تبدأ مسئولية الفرد من الجانب المهنى سواء كان يمارس عملًا حرفيًا أو وظيفيًا أو تطوعيًا وأداء هذا العمل على النحو الأمثل بحيث يشعر مع ذاته بالرضا عن أداء مهامه وواجبه تجاه الطرف الآخر، ثم تأتى المسئولية المجتمعية للفرد تجاه المجتمع بشكل عام من خلال سلوكه الشخصى سواء من محيطه الشخصى أو مع مرافق ومؤسسات الدولة التى تستحوذ على النصب الأكبر من أموال وموارد الدولة.. وقبل أن يتساءل الفرد عن مسئولية الحكومة عن توفير العدالة وسيادة مبدأ تكافؤ الفرص وتخفيف الأعباء وتحسين الخدمات فى قطاعات كثيرة أو توفير فرص عمل وغيرها من الطموحات أو حتى الحقوق المشروعة، عليه أن يعى أنه لا يوجد تعارض بين مشاركته مجتمعيًا وتراخى الحكومة عن أداء بعض مهامها.. وأن التزام الفرد بأداء واجبه نحو مجتمعه ووطنه ينبع من يقينه أنه صاحب هذا الوطن، وأن كل المرافق العامة هى ملك له، وكل المليارات التى وجهتها وأنفقتها الحكومة فى إنشاء طرق وكبارى ومرافق صحية وتعليمية ومدن جديدة وغيرها هى من أموال المواطن المصرى ونتاج جهده.

إذن تعزيز الانتماء والمسئولية الاجتماعية أصبح أمرًا ضروريًا يحتاج إلى ترسيخ فى هذه المرحلة إذا أردنا بناء دولة حديثة والتحول والانتقال نحو التحضر الذى ننشده جميعًا ومن خلال خطة قومية تشارك فيها مؤسسات الدولة الفاعلة، وعلى رأسها قطاعا الإعلام والتعليم لتغيير الثقافة المجتمعية وترسيخ مفاهيم وقيم المواطنة والمشاركة المجتمعية.. فلا يعقل على سبيل المثال أن نرى مشهد تراكم القمامة والكتابة بالحفر على الكوبرى الملجم فى محور روض الفرج الذى تم افتتاحه منذ شهرين تقريبًا وتم تسجيله فى موسوعة جينس وكلف ميزانية الدولة مئات الملايين وشكل واجهة حضارية ويحدث طمسها فى أيام قليلة وتشويهه بسبب غياب الوعى وانعدام ثقافة المشاركة المجتمعية، وهو أمر متكرر، وإن شئت كل ظاهرة فى أكبر المشروعات وأصغرها على حد سواء لا فرق بين الكوبرى الملجم أو رصف شارع وفى اليوم التالى نفاجأ بحفر خوازيق الحديد والبراميل لحجز أماكن لسيارات وإشغال الرصيف واستدعاء كل أشكال الفوضى والتلوث وكأن شيئًا لم يحدث بعد إنفاق الملايين!!.. صحيح هناك غياب للرقابة والردع ولكنها أيضًا من موظف غابت عنه ثقافة الانتماء أو المسئولية الوظيفية والمجتمعية معاً.

أيضًا ونحن بصدد افتتاح بطولة الأمم الأفريقية غدًا على أرض مصر، علينا أن نعى أن مئات الملايين من عشاق كرة القدم تتجه أنظارهم إلى مصر وهنا أستدعى كلمات الرئيس عبدالفتاح السيسى وتشديده على أهمية الانضاط والسلوك الرقى بما يعكس واجهة مصر الحضارية ويسهم فى نجاح البطولة وقدرة مصر على تنظيم أكبر الأحداث وخروجها بشكل مشرف.. وهذا الأمر يحتاج أيضًا إلى ثقافة المشاركة المجتمعية وشعور المواطن المصرى بأهمية الحدث والمساهمة فى نجاحه بدءًا من عامل النظافة الذى يحرص على إبراز الوجه الحضارى لبلده ومرورًا بسلوك سائق التاكسى وعمال المطاعم والفنادق وأفراد الأمن وغيرهم من تعاملهم مع جميع الجنسيات سواء المشاركين فى البطولة أو المشجعين على اعتبار أنهم سائحون حضروا ألى مصر للاستمتاع بالبطولة والإقامة فى مصر وانتهاءً بالسلوك الجماهيرى فى المدرجات سواء مع ضيوف مصر أو المنشآت الحديثة حتى نصدر مشهدًا حضاريًا عن مصر والمواطن المصرى سواء مع الجنسيات التى تعايشت مع المصريين أو عبر الفضائيات ووسائل الإعلام التى تنقل كل كبيرة وصغيرة من مصر.. والمؤكد أن كل هذا له مردوده السياسى والاقتصادى والأدبى على مصر والمواطن المصرى، لأن شعور الزائرين والسائحين والفرق الرياضية والمشجعين بالأمان والمعاملة الحسنة والكريمة من المؤكد لها مردودها السريع على سمعة مصر وقدرتها كدولة، كما يعزز ويساهم فى عودة حركة السياحة وجذب الاستثمارات وانتعاش الاقتصاد الوطنى.

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى