نون والقلم

عبد العزيز النحاس يكتب: الثورة الأهم.. والهوية المصرية الفريدة

أمس كانت الذكرى الثانية بعد المائة للثورة المصرية الكبرى عام 1919، والتي زلزلت عرش الإمبراطورية البريطانية وأثرت في كل دول الشرق.

وسردنا في الأسبوع الماضي. كيف تكون تيار الحركة الوطنية المصرية، وإرهاصات الثورة، ثم انفجارها في كل ربوع مصر بسبب نفى الزعيم سعد زغلول ورفاقه إلى مالطة، ولم تخمد الثورة إلا بعد عودة الزعيم إلى أرض الوطن، واضطر الاحتلال إلى إجراء مفاوضات سياسية معه لتهدئة الأوضاع في مصر.

والمؤكد أن سعد زغلول بعبقريته أيقن أنه استدرج الإنجليز في الفخ بعد أن أدخل الشعب المصري بكل طوائفه. وفئاته في المعادلة السياسية.. خاصة وأن سعد زغلول أدرك منذ البداية الدسائس الإنجليزية للوقعية بين المسلمين والمسيحيين، ولذلك قام باختيار سينوت بك حنا وجورجي بك خياط ضمن الوفد المصري للسفر إلى باريس، وفوجئ بترشيح واصف باشا غالى ورحب بهم جميعًا سعد زغلول.. ولذلك عندما اندلعت الثورة جاء شعارها الدين لله والوطن للجميع، وعاش الهلال مع الصليب.

واتجه القساوسة إلى الأزهر والمساجد للخطبة من على منابرها واتجه علماء الأزهر إلى الكنائس للخطبة فيها، وكانت أولى ثمار الثورة ترسيخ دولة المواطنة.

بنفس القدر من الذكاء السياسي كان يرى سعد زغلول أن الوحدة الوطنية أعمق وأكبر من المفهوم الشائع بأنها بين المسلمين والمسيحيين، وإنما يجب أن تكون بين عناصر جميع الأمة، وكان سبيله في ذلك غرس الانتماء الوطني لدي الجميع، ولذلك تبنى آراء ومفاهيم قاسم أمين لتحرير المرأة، وجعلها تشارك بقوة في الثورة، وقادت صفية زغلول وهدى شعراوي مظاهرات السيدات وسقط منهن شهيدات، وأسست هدى شعراوي للجمعيات والصالونات النسائية، كما بدأن في تعليم الفتيات المصريات، والسماح لهن بالعمل والمشاركة في كل الفاعليات، كما حصلت المرأة على حقوقها في المشاركة السياسية، وكان تحرير المرأة المصرية هي ثاني ثمار ثورة 1919.

لم يغب الجانب الاقتصادي والتنويري عن ذهن قائد الثورة. خاصة وأن أحد قادة ثورة 1919 هو طلعت باشا حرب وهو اقتصادي من الطراز الأول. وكان حلمه تأسيس بنك مصر منذ عام 1917. بهدف بناء اقتصاد وطني والتحرر من الاحتكار الأجنبي. وأطلق سعد زغلول نداءه الشهير للمصريين عام 1920. بسحب أموالهم من البنوك الإنجليزية وعدم التعامل معها، وشراء صكوك بنك مصر الذي يترأسه طلعت باشا حرب.

وبالفعل تحول بنك مصر إلى قاعدة اقتصادية ساهمت في تأسيس العديد من الشركات الوطنية العملاقة مثل مصر للغزل والنسيج ومصر للطيران ومصر للتأمين، كما ساهم في النهضة الثقافية والفنية بعد أن أسس مكتبة مصر وستديو مصر وغيرهما من المشروعات التي فتحت الباب لنقلة صناعية، وإنشاء النقابات العمالية لحماية حقوق العمال المصريين فى مواجهة أصحاب رؤوس الأموال وعرفت مصر لأول مرة التشريعات العمالية.

ومع إصرار سعد زغلول على شعاره – الاستقلال التام أو الموت الزؤام – قررت بريطانيا في 28 فبراير عام 1922 إعلان انتهاء الحماية البريطانية على مصر، والاعتراف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة، ويصبح الأمير أحمد فؤاد ملكًا على مصر والسودان.. ويبدأ الإعداد لدستور 1923 الذي أسس للدولة الوطنية الحديثة بكل ما تشمله من قيم المواطنة. والعدالة وحرية تكوين الأحزاب والحريات العامة وحرية الصحافة. وحقوق المرأة والعمال وغيرها من القيم التي أدت إلى نهضة شاملة. في شتى المجالات الاجتماعية والاقتصادية ونهضة ثقافية وأدبية وفنية قادت عملية التنوير في مصر.

كما رسخت لهوية مصرية فريدة يصعب طمسها أو خدشها. ورأينا نتاجها في ثورة الثلاثين من يونيو عندما هب الشعب المصري. بكامله في مواجهة الجماعة الظلامية الفاشية التي حاولت اختطاف الوطن.

حمى الله مصر من كل سوء

نائب رئيس الوفد

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

–  F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية

زر الذهاب إلى الأعلى