نون والقلم

عبد العزيز النحاس يكتب: الثلاثون من يونيو.. عودة الوعي

تأتي احتفالات مصر بالذكرى السادسة لثورة الثلاثين من يونيو مع احتفال المصريين باستضافة بطولة الأمم الأفريقية لكرة القدم على أرض مصر بشكل منظم وبصورة مشرفة، وبما يعكس عودة الوعي لدى المصريين في الحفاظ على وطنهم وتصدير صورة حضارية عنه إلى كل الأمم.. وإذا كانت ثورة الخامس والعشرين من يناير بمثابة عودة الروح للمصريين بعد أن قبضت قلة قليلة على السلطة والثروة ووصلت إلى حد العبث والاستهانة بإرادة الشعب وتزوير الانتخابات البرلمانية بفجاجة.. فإن ثورة الثلاثين من يونيو كانت بمثابة عودة الوعي إلى الشعب المصري بعد أن أيقن من خلال التجربة القصيرة والمريرة أن الجماعة التي قفزت إلى السلطة لا تقل خطورة عن كل الجماعات الفاشية والإرهابية.

ثورة الثلاثين من يونيو ترتبط بمحاور كثيرة داخلية وخارجية ولكن في اعتقادي أهمها كان في عودة الوعي للمصريين وحفاظهم علي وطنهم بعد أن أيقنوا منذ الوهلة الأولي لثورة 25 يناير أن ثورتهم قد اختطفت وأن جماعة الإخوان قد أدارتها لحسابها الخاص وظهر ذلك جليا فيما سمي بغزوة الصناديق لإقرار دستور يحقق أهداف الجماعة ويرسخ السلطة لها، ثم جاء مشروع التمكين الذي مررته الجماعة في كل القطاعات والأجهزة والوزارات، وكنا نسميه ـ الأخونة ـ عندما فرضت أعضاءها في كل المجالات لتولي المناصب القيادية بحجة التطوير والتحديث وتحقيق مشروع النهضة الذي زعمته وكشفته نخبة من المثقفين والمفكرين والصحفيين وأصحاب الرأي وبات أنه مشروع ـ الفنكوش ـ وهنا  كشفت الجماعة عن وجهها الحقيقي في الإعلان الدستوري الذي أصدره محمد مرسي بهدف تعزيز سلطاته وتحصين قراراته في مواجهة السلطة القضائية، ثم جاء حصار مدينة  الإنتاج الإعلامي ووضع الصحفيين والإعلاميين علي قوائم الاغتيالات وحصار المحكمة الدستورية العليا ومجلس الدولة.. بل وتم امتهان كرامة المصريين وسحلهم علي أبواب وأسوار الاتحادية، وانتهت الجماعة باستخدام الإرهاب في أعلى صوره عندما قررت إخضاع المصريين بالسلاح الآلي في اعتصامي رابعة والنهضة واستدعاء الإرهابيين من كل الجنسيات إلى أرض سيناء لمواجهة المصريين.

أخبار ذات صلة

عودة الوعي المصري في الثلاثين من يونيو كشفت أيضاً عن أهم ملامح الشخصية المصرية وتمسكها بهويتها التي حاولت جماعة الإخوان العبث بها وطمسها على غرار ما حدث في إيران حديثا وفي أوروبا في العصور الوسطي عندما تم صبغ الحكم بصبغة دينية وتغيير هوية المجتمعات، ومع أن الإخوان استخدمت كل الوسائل بدءاً من المساجد ومنابرها والمدارس والجامعات وبعض وسائل الإعلام والمصالح الحكومية..  إلا أن المصريين كانوا أكثر صلابة وتمسكاً بهويتهم الليبرالية التي ترسخت قبل قرن من الزمان عندما انصهر المصريون في قالب وطني واحد في الثورة المصرية الكبرى عام 1919 ورفعوا شعار مصر للمصريين خلف زعيم الأمة سعد زغلول، وحققت مصر في خمس سنوات ما لم تحققه دول في خمسين عاماً وأسست لوحدة وطنية راسخة واقتصاد وطني وحررت المرأة المصرية وبعد إعلان الاستقلال تم وضع دستور  1923 الذي رسخ لدولة المواطنة والحريات وأسس لحياة نيابية وسياسية تضاهي أكبر الدول الديمقراطية، الأمر الذي حول مصر إلى دولة ليبرالية تتمتع بالمدنية والتحضر وأصبحت قبلة الشرق في الثقافة والفنون والتعليم وغيرها من باقي المجالات ورسخ هويتها الحديثة التي نتمتع ببعضها حتى الآن.

الوعي المصري تجسد في أبلغ صوره بعد الثلاثين من يونيو، عندما حانت لحظة المصارحة علي لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة الإصلاح الاقتصادي وتحمل الشعب كل تبعاته لإعادة بناء وترسيخ أركان الدولة المصرية ومواجهة كل التحديات.. ومع أن عملية الإصلاح الاقتصادي ضربت كل أركان الأسر المصرية المتوسطة والفقيرة، إلا أن الجميع تحمل وصبر عن قناعة ووعي خاصة وأن نتائج الإصلاح لمسها كل المصريين في المشروعات القومية العملاقة في الطرق والكباري والطاقة والمدن الجديدة والمشروعات الصناعية وكذلك في تحديث وتسليح الجيش المصري الذي تواجهه تحديات هائلة ويفخر به كل المصريين والعرب أيضاً.

نائب رئيس الوفد
للمزيد من مقالات الكاتب أضغط هنا

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى