نون والقلم

عبدالمنعم مصطفى يكتب: إيران.. قوة الأوهام وتعاليم الإمام

بالحماسة والدهاء أدارت إيران حروبها الإقليمية، وهي ما زالت تراهن على ذات الأدوات، رغم ارتفاع كلفتها، وتراجع تأثيرها، فما يزال أُسلوب الحشد خلف الإمام، هو، هو، لم يتغير، وما تزال حيل البازار هي، هي، لم تتغير، فأغلب القادة في إيران هم: إما زعامات دينية تُحرِّض أتباعها على الموت، وإما ذوات خلفية تجارية، يُراهنون بقِيَم وخبرات البازار، على قدرتهم على الكسب، طالما التزموا الأناة، وطول البال، وخبرات المساومات اليومية.

أذكر في بدايات الحرب العراقية – الإيرانية (1980- 1988) أنني التقيت جنرالاً بالجيش العراقي، بدا مزهواً بإنجازات قواته التي تمكنت من اجتياح إيران واستولت في الأسابيع الأولى للحرب على أكثر من خمسة عشر ألف كيلو متراً من الأراضي الإيرانية، وأسر عشرات الآلاف من الإيرانيين في الأيام الأولى للحرب، قال لي الجنرال العراقي: وجدنا بحوزة الجنود الإيرانيين الأسرى، قلائد من الألومنيوم تحمل اسم الجندي ورقمه العسكري والوحدة أو السرية التي ينتمي إليها، وهذا طبيعي -حسب قوله- أما غير الطبيعي، فهو أن هؤلاء الأسرى كان فور وقوعهم في الأسر يطلبون كوباً من الماء يضيفون إليه بعضاً من الملح يحملونه معهم، قبل أن يضعوا فيه قلائدهم آملين أن تذوب، وبسؤال هؤلاء الأسرى عن سر الماء والملح، اعترف بعضهم بأن تعاليم الإمام الخوميني تفيد بأنهم سوف يتبخَّرون ويمكنهم التحرُّر من أسر أعدائهم العراقيين إذا ما فعلوا ذلك!!

استطاعت قوة الأوهام المغموسة في تعاليم الإمام، أن تقنع 1.2 مليون إيراني بالموت في الحرب ضد صدام حسين على مدى ثماني سنوات، واستطاعت حرب السنوات الثمانية أن تتحول إلى أيقونة ضمن نظرية الأمن الإيراني، بعدما جرى تصويرها كجزء من عقيدة كربلائية، لا تكف عن طلب الثأر.

بقوة الأوهام، استطاع قاسم سليماني قائد ما يُسمَّى بفيلق القدس، أن يُمدِّد نفوذ طهران فوق منطقة تمتد من العراق إلى لبنان وسوريا ثم اليمن، لكن الأوهام ذاتها توشك أن تبدد ما حققه ملالي طهران من مكاسب إقليمية.

نظرة سريعة على مطالب خامنئي من الأوروبيين الذين رفضوا قرار الرئيس الأمريكي ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران (5+1) كافية لإدراك تورط طهران في أوهامها.

يضع خامنئي خمسة شروط يتعين على أوروبا الوفاء بها جميعاً كشرط لاستمرار توقف بلاده عن تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% ، هذه الشروط هي:

* قرار أوروبي يدين «انتهاك» الولايات المتحدة لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231.

* وعد بـ«عدم إثارة قضايا الصواريخ والشؤون الإقليمية للجمهورية الإسلامية».

* الالتزام بمقاومة أي عقوبات ضد إيران.

* ضمان أنه إذا ما عملت واشنطن على عرقلة بيع النفط الإيراني إلى دول أخرى، ستقوم أوروبا بالتعويض (لإيران) عن طريق شراء النفط بنفسها.

* الالتزام بمواصلة المعاملات المصرفية الأوروبية مع إيران.

شروط خامنئي للاستمرار في الالتزام بالاتفاق النووي الذي انسحبت منه واشنطن، تعكس حالة غيبوبة يعيشها الحكم في طهران، الذي يتوهم أن أوروبا يمكن أن تبيع أمريكا لتشتري رضا طهران، بينما يقوم الروس بتجريد الإيرانيين من مكاسبهم في سوريا، بعد ضربات إسرائيلية لأهداف إيرانية حيوية في سوريا دون أدنى رد من طهران.

يعود خامنئي إلى خزانة الحماسة، مستدعياً روح كربلاء، لكن المسرح تحت أقدامه يتغير، فسوريا التي حارب الإيرانيون فوق أرضها إلى جانب بشَّار الأسد، لم تعد تتسع لحضورهم، بعد تفاهمات إسرائيلية – روسية، دعا بعدها بوتين جميع القوات الأجنبية بما فيها إيران والميليشيات الموالية لها إلى مغادرة الأراضي السورية، والعراق الذي يهيمن حلفاء طهران على مناطق كاملة به، قد اختار برلماناً لا تريد الأغلبية فيه أن ترى حضوراً إيرانياً مباشراً أو غير مباشر فوق أرضه، أما اليمن الذي اتخذت طهران بعض مناطق فيه منصات لمهاجمة المملكة العربية السعودية واستهداف مدنها ومنشآتها ومواطنيها، فقد لاحت تباشير صباح يمني خالص فوق أرضه لا أثر فيه لا لطهران ولا لعملائها من الحوثيين.

الاستنفار بالحماسة، واستدعاء روح كربلاء، لم يعد كافياً، لا لتغيير خارطة الشرق الأوسط كما تريدها طهران، ولا حتى لتزويد النظام في إيران بما يعينه على مجرد البقاء.

نقلا عن صحيفة المدينة

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى