نون والقلم

عبدالله الأيوبي يكتب: هندوراس تدنس القدس المحتلة

حتى الآن فإن الغالبية العظمى من دول العالم وبالأخص الدول ذات الثقل السياسي والاقتصادي، بما فيها الدول الصديقة جدا للكيان الصهيوني، ترفض المشاركة في المساس بالوضع القانوني لمدينة القدس المحتلة والخروج على قرارات الشرعية الدولية، باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية التي خرجت على هذه القرارات حين قرر رئيسها دونالد ترامب نقل سفارة بلاده إلى المدينة المحتلة في خطوة مثلت تحولا جذريا في موقف واشنطن من وضع هذه المدينة التي احتلت «إسرائيل» قسمها الشرقي في عدوان الخامس من حزيران عام 1967 واعتبرتها عاصمتها الموحدة رغم تأكيد القرارات الدولية أنها مدينة محتلة ومن ثم فإن أي تغيير يمس الوضع القانوني لهذه المدينة ليس معترفا به من الناحية القانونية.

ليس هناك أدنى شك في أن الخطوة الأمريكية المتعلقة بوضع مدينة القدس المحتلة لها تأثير سياسي كبير بالنسبة إلى الجهود «الإسرائيلية» لنيل اعتراف المزيد من دول العالم بحقها في جعل المدينة عاصمتها الموحدة، كما تدعي، وهي -أي إسرائيل- تستغل الانحياز والخطوة الأمريكية السالفة الذكر بمثابة ورقة ضغط على الدول الأخرى لثنيها عن موقفها الرافض نقل سفاراتها من تل أبيب إلى القدس، لكن «إسرائيل» لم تيأس من ذلك، وخاصة أن ردود الفعل العربية والإسلامية والدولية أيضا إزاء الخطوة الأمريكية لم تكن في مستوى الحدث نفسه.

بالأمس القريب اتخذت حكومة هندوراس الواقعة في أمريكا اللاتينية قرارا بافتتاح بعثة تجارية ذات وضع دبلوماسي في مدينة القدس المحتلة في خطوة لم يخف أهدافها رئيس هندوراس نفسه خوان أورلاندو هرنانديز «إنها الخطوة الأولى نحو افتتاح سفارة في المدينة»، الأمر الذي يمكن اعتباره نجاحا جديدا للسياسة «الإسرائيلية» فيما يتعلق باستغلال الخطوة الأمريكية في هذا الاتجاه، ذلك أن هندوراس تعد واحدة من الدمى التي تحركها السياسية الأمريكية في محيطها الإقليمي، أي في أمريكا اللاتينية، ومن ثم فإن هذه الخطوة تنسجم تماما مع السياسة غير المستقلة لهذه الدولة الأمريكية اللاتينية.

من المؤكد أن خطوة هندوراس ليس لها ذلك الأثر السياسي مقارنة بالخطوة الأمريكية، سواء بالنسبة إلى «إسرائيل» أو على مواقف دول أخرى فيما يتعلق بقضية مدينة القدس المحتلة، ولكن قرار هندوراس بشكل عام له فائدة سياسية ومعنوية بالنسبة إلى الكيان الصهيوني من حيث ارتفاع عدد الدول التي نقلت أو ستنقل سفاراتها من تل أبيب إلى القدس، (حتى الآن هناك أربع دول أعلنت عزمها نقل سفاراتها ولكنها لم تفعل بعد)، أي تزايد اعتراف الدول بهذه المدينة كعاصمة موحدة لــ«إسرائيل»، هذا هو الهدف الأكبر الذي تسعى لتحقيقه السياسة الإسرائيلية منذ الاستيلاء على كامل المدينة قبل ما يربو على خمسة عقود، ذلك أن مثل هذا الاعتراف يفضي في النهاية إلى نقل السفارات.

الدول العربية وكذلك الإسلامية التي تؤكد وتشدد في أكثر من مناسبة أن الوضع الاستثنائي لمدينة القدس وأهميتها الدينية بالنسبة إلى المسلمين وكذلك أهميتها السياسية بالنسبة إلى الفلسطينيين وانعكاس أثر العبث في وضعها القانوني على مصير الصراع ومستقبل حل القضية الفلسطينية، هذه الدول لم تواجه المخطط الخطير الذي تنفذه «إسرائيل» في هذه المدينة بأي إجراء عملي من شأنه أن يحد من تنفيذ هذا المخطط ويبطله، بل على العكس من ذلك فإن تقاعس الدول العربية والإسلامية عن تنفيذ ما تعهدت به بشأن وضع مدينة القدس شجع دولا، بما فيها تلك التي لا تملك ثقلا سياسيا واقتصاديا على الخريطة الدولية، على الانخراط في المخطط «الإسرائيلي».

هندوراس، أو حتى كبرى الدول ما كانت لتقدم على خطوة تهدد الوضع القانوني لمدينة القدس وتخالف قرارات الشرعية الدولية بشأن وضع المدينة وحساسيته بالنسبة إلى العرب والمسلمين بشكل عام، لو أن الدول العربية والإسلامية نفذت ما تعهدت به في مؤتمراتها بشأن قطع العلاقات مع أي دولة تقدم على نقل سفارتها إلى مدينة القدس المحتلة، بل على العكس من ذلك فإن تحويل الدول العربية والإسلامية قراراتها إلى مجرد أوراق أرشيفية أسهم في دفع تلك الدول إلى الانخراط في دعم التوجه «الإسرائيلي» بجعل القدس عاصمة موحدة للكيان.

هذه الدول الأمريكية اللاتينية الصغيرة تضيف في نهاية المطاف رقما سياسيا للدول التي اعترفت أو نقلت سفاراتها إلى مدينة القدس المحتلة، وهي لن تكون الأخيرة طالما بقي الصمت مطبقا على مواقف الدول العربية والإسلامية من هذه القضية، فالحقوق لن يصونها الغرباء ولن يحفظها ويدافع عنها إلا أصحابها، هذه الحقيقة لا يبدو أنها حاضرة لدى الدول العربية والإسلامية، فالبكاء على الحقوق المغتصبة والتعويل على الغرباء لمنع العبث فيها ومصادرتها لن يحقق أي شيء.

نقلا عن صحيفة الخليج البحرينية

للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى