نون والقلم

عبدالله الأيوبي يكتب: فنزويلا ساحة جديدة مرشحة للتدمير

تتعامل الإدارة الأمريكية مع الأزمة السياسية في فنزويلا ومع الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو وكأنها تتعامل مع أزمة داخلية وحاكم ولاية من الولايات الأمريكية، فالمبعوث الأمريكي لفنزويلا إليوت أبرامز يطالب مادورو بتسليم السلطة ومغادرة بلاده إلى بلاد أخرى، حيث يقول المسؤول الأمريكي بعبارات صريحة: «أعتقد أنه من الأفضل بالنسبة إلى الانتقال الديمقراطي في فنزويلا أن يكون مادورو خارج البلاد وهناك مجموعة من الدول مستعدة لاستقباله»، من زاوية كهذه، وبكل بساطة تنظر الولايات المتحدة الأمريكية إلى سبل وكيفية حل الأزمة الداخلية الفنزويلية التي نشبت بعد أن نصّب رئيس البرلمان الفنزويلي خوان جوايدو نفسه رئيسا «مؤقتا» لهذه الدولة ومسارعة أمريكا وحلفاء لها إلى الاعتراف بخطوته السياسية التي رأت فيها دول أخرى أنها انقلاب على الشرعية والدستور الفنزويلي.

المطالبة الأمريكية للرئيس الفنزويلي بمغادرة بلاده إلى بلد آخر، ليس موقفا أمريكا جديدا مع رؤساء الدول التي لا تسير في الفلك الأمريكي، وهي ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي تعطي الإدارة الأمريكية لنفسها حق تحديد الطريقة التي يجب التعامل بها مع أي أزمة سياسية تشهدها أي من الدول التي تختلف سياسيا مع المواقف الأمريكية في أكثر من قضية، فأمريكا سبق لها أن غزت بنما واعتقلت رئيسها مانويل نورييغا ونقلته إلى السجن داخل الولايات المتحدة الأمريكية وفعلت الشيء نفسه مع العراق عندما نفّذت جريمة غزوه عام 2003 وأطاحت بنظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ومن ثم اعتقلته ونصبت حكومة العراق له محاكمة انتهت بشنقه.

الموقف الأمريكي من الأزمة السياسية في فنزويلا هو تدخل سافر في الشؤون الداخلية لدولة مستقلة وذات سيادة، وبعيدا عن موقف أمريكا وغيرها من الدول فيما يتعلق بنظام الحكم في هذه الدولة الأمريكية اللاتينية، أو غيرها من الدول، فتأييد أمريكا لهذا الطرف الفنزويلي ومعارضتها للآخر، هو موقف أمريكا خاص بالإدارة الأمريكية ولا يحق لأحد الاعتراض على هذا الحق، لكن ذلك لا يعطي لأمريكا أو لغيرها حق التدخل في الصراع الداخلي لهذه الدولة، بل والذهاب إلى أبعد من ذلك حين لوَّحت بالتدخل العسكري المباشر لإسقاط نظام الرئيس مادورو وتنصيب منافسه رئيسا بالقوة.

الإدارة الأمريكية لا تكتفي بتحديد موقفها السياسي من الأزمة الفنزويلية ولا تبيان موقعها من أطراف هذه الأزمة، وإنما تريد ترحيل الرئيس مادورو من بلده، وكأنه مواطن من مواطني الولايات المتحدة الأمريكية، فالشعب الفنزويلي له كامل الحق في تحديد من يختاره رئيسا يحكمه وهو الذي؛ أي الشعب، باستطاعته عبر صناديق الاقتراع التي تتشدق بها أمريكا وحلفاؤها، أن يختار هذا الزعيم السياسي أو ذاك، وليس على غرار ما أقدم عليه رئيس البرلمان الفنزويلي المدعوم من واشنطن عندما قرر تنصيب نفسه رئيسا «مؤقتا» لبلاده.

فسياسة التدخلات في الشؤون الداخلية للدول المستقلة، ومن دون تفويض من الشرعية الدولية، وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي، أثبتت أنها سياسة خاطئة ومدمرة في أحيان كثيرة، فتجارب مثل هذه التدخلات ماثلة للعيان في أكثر من منطقة وبلد، وفي مقدمتها بلداننا العربية كالعراق وسوريا وليبيا حيث تعيش هذه الدول أوضاعا سياسية وأمنية خطرة بعد أن تدخلت القوى الخارجية في شؤونها الداخلية وأسقطت أنظمتها السياسية التي كانت قائمة، إذ لم تجن شعوب هذه الدول فائدة تذكر جراء تغيير الأنظمة السياسية فيها، بل على العكس من ذلك ساءت أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

لن تؤدي مثل هذه السياسة سوى إلى المزيد من التوترات في العديد من مناطق العالم، ولن تقود أبدا إلى حل المشاكل السياسية للشعوب والدول ذات السيادة، بل ستضاعفها وتعقدها أكثر، وقد أدت مثل هذه السياسة في الكثير من المناطق إلى إشعال فتيل الحروب الأهلية الداخلية الأمر الذي أدى إلى تفاقم الأوضاع السياسية فيها. ورغم كل هذه النتائج السلبية الماثلة للعيان، فإن الولايات المتحدة الأمريكية وبعض حلفائها يصرون على عدم التخلي عنها ومراجعة هذه النتائج الكارثية.

فالولايات المتحدة الأمريكية بإصرارها على مواصلة هذه السياسة إنما تسهم في بث الفوضى في السياسة الدولية وتقوض دور المؤسسات الدولية المنوط بها ضبط هذه السياسة وحمايتها، فأمريكا تستخدم جبروتها العسكري وقوتها الاقتصادية في فرض هيمنتها على الدول وخيارات الشعوب، هذا ما فعلته في العراق وليبيا وأرادت أن تفعله في سوريا وهي الآن تخطط وتسعى إليه في فنزويلا، فإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاهر باستعدادها التدخل العسكري في أزمة هذا البلد إلى جانب رئيس البرلمان الذي أعطته اعترافها السياسي بمنصبه الجديد خلافا لما ينص عليه الدستور الفنزويلي الذي أقسم عليه الأخير.

الأزمة السياسية في فنزويلا مرشحة لمزيد من التصعيد، ليس السياسي فقط، وإنما الأمني أيضا، فالمؤشرات تدل على أن الولايات المتحدة الأمريكية التي دخلت بقوة على خط الأزمة وأصبحت طرفا مباشرا فيها، مصرة على دعم «الرئيس المؤقت»، وعلى رحيل الرئيس مادورو عن السلطة بكل الوسائل، وهي مستعدة للخيار العسكري إذا ما أحست أن محاولاتها لإقصاء الرئيس الفنزويلي عبر الضغوط الاقتصادية وتحريض القوات المسلحة الفنزويلية على التخلي عن النظام، قد باءت بالفشل، وهي؛ أي واشنطن لا تخفي ذلك، بل تجاهر به في أكثر من مناسبة. أيا كان الخيار فإن الشعب الفنزويلي هو الخاسر الأكبر من التدخلات ومن الرهان على القوى الخارجية.

نقلا عن صحيفة الخليج البحرينية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى