نون والقلم

عبدالعزيز النحاس يكتب: ثورة 19 وقدرة المصريين

تقييم الثورات يحتاج إلى فترة زمنية للوقوف على نتائجها وآثارها في حياة الشعوب والأمم.. وبقدر تضحيات الشعوب تكون النتائج والمكاسب، ولعل الثورة الفرنسية التي استمرت موجاتها عشر سنوات بدءًا من 1789 وحتى 1799 هي أبرز مثال في التاريخ الحديث.. وبقدر تضحياتها كانت نتائجها المثمرة لأوروبا والغرب بشكل عام وأدت إلى النهضة الشاملة التي يعيشها الغرب حتى الآن.

ومع أن ثورة 1919 جاءت بعد الثورة الفرنسية بأكثر من قرن من الزمان، إلا أن نتائجها في حياة الشعب المصري وشعوب الدول النامية كانت بالغة التأثير، ليس فقط فى تحرير كثير من دول العالم من الاستعمار والعبودية، وإنما في التغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي حدثت في مصر وكثير من الدول التي تأثرت بالثورة الكبرى في مصر.. على الرغم من أنها انفجرت بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى مباشرة وخروج بريطانيا العظمى منتصرة في الحرب، وتبحث عن غنائمها من هزيمة الدولة العثمانية التي كانت تقع مصر تحت ولايتها. مما يفسر ردود الفعل العنيفة التي استخدمتها القوات البريطانية ضد الشعب المصري وزعمائه في طلب الاستقلال في هذا التوقيت.

ومن هنا يجب على الدولة المصرية ونحن نستشرف مئوية ثورة 1919 بعد أيام قليلة أن نتوقف عند هذا الحدث الهام في حياة الأمة المصرية، ليس فقط باحتفال عابر هنا وهناك.. وإنما باتخاذ مئوية ثورة 1919 لإعادة شحذ همم المصريين من جديد على كل المستويات، على اعتبار أن الشعب المصري يستطيع أن يصنع المعجزات عندما تحدى الإمبراطورية العظمى في أوج قوتها، واستطاع أن يفرض إرادته ويحقق طموحاته المشروعة قبل مائة عام من الآن.

يجب بث الأمل في هذا الجيل والأجيال الناشئة بالوقوف على تاريخ هذا الوطن المشرف، وعلى التحولات الجذرية التي حدثت في هذا المجتمع عندما توحد الشعب المصري وانصهر في نسيج وطني واحد وعلا شعار الدين لله والوطن للجميع لأول مرة عندما حاول الاحتلال شق صف المصريين واستخدامهم لأغراضه الاستعمارية، فكانت فطنة المصريين أكبر وخرج شعار الهلال يحتضن الصليب في أيدي جميع المصريين هاتفين عاش الهلال مع الصليب.

يجب أن تكون مئوية ثورة 1919 بمثابة جرعة وطنية لشباب هذا الوطن وقدرتهم على تحقيق آمالهم وأحلامهم عندما يعرفون أن أكثر من 90٪ من اقتصاد مصر كان يحتكره والإنجليز والأجانب، وأن طلعت باشا حرب بحسه الوطني قرر إنشاء بنك وطني وحاول أكثر من مرة عندما نجحت ثورة 1919 وأطلق الزعيم سعد زغلول نداءه للمصريين بسحب أموالهم من البنوك الأجنبية وتوجيهها لبنك مصر تحولت فكرة طلعت باشا حرب إلى أكبر قوة اقتصادية في الشرق الأوسط وأصبح الاقتصاد الوطني المصري منافسًا عالميا إلى حد أن مصر احتلت صدارة العالم في احتياطي الذهب حتى عام 1948 وكان الجنيه المصري يساوى أكثر من 8 دولارات.

الآن يقوم حزب الوفد باعتباره الابن الشرعي لثورة 1919 بالإعداد للاحتفال بمئوية ثورة 19 وأيضا مئوية حزب الوفد وخلال أيام قليلة سوف تبدأ الاحتفالات في 28 فبراير ببيت الأمة باعتبار أن هذا اليوم التي حصلت فيه مصر على استقلالها عام 1922 كأحد مكاسب ثورة 1919.. إلا أن احتفالات الوفد الرمزية، لا تغنى عن احتفالات الدولة الرسمية بمئوية الثورة الأم في مصر، وليس أقل من أن تعلن الدولة أن يكون هذا اليوم إجازة رسمية، وأن تقوم قطاعات الدولة المختلفة بدورها للاحتفال بثورة حررت مصر من الاستعمار، وحررت المرأة المصرية والاقتصاد المصري ووحدت عنصري الأمة وحققت دولة المواطنة والحريات بدستور 23، والاحتفال الرسمي بمئويتها شرف لجميع المصريين.

نائب رئيس الوفد

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى