نون والقلم

عبدالعزيز النحاس يكتب: ثورة الشرق.. والنهضة المصرية

 الشعب الذي سبق الدنيا كلها وأرسى قواعد الحضارة، لا يقبل الذل والقهر، ولا يصمت على الظلم.. تلك هي القوة الكامنة في الشعب المصري التي تفجرت صباح الأحد 9 مارس 1919، وصنعت أحداث ثورة مصر الكبرى، أو ثورة الشرق كما سماها الغرب ومعظم دول العالم، وكانت سببًا في التحولات الجذرية للمجتمع المصري ومعظم مجتمعات الشرق، ومازالت آثارها راسخة حتى الآن، بدليل أن خروج عشرات الملايين في الثلاثين من يونيو، لم يكن إلا تعبيرًا صادقًا عن تمسك هذا الشعب بهويته وحريته وكرامته، ورفضه لفكرة الدولة الدينية وتغيير تركيبته الثقافية والاجتماعية.

إن عبقرية زعيم الثورة سعد زغلول تجلت في رهانه على الشعب المصري وإدخاله فى المعادلة السياسية بعد أن فشلت محاولات سابقة في مواجهة الاحتلال قام بها قادة وطنيون عظام أمثال أحمد عرابى ومصطفى كامل ومحمد فريد ولطفى السيد وغيرهم وكانت تنحصر علي الطبقة العليا والمثقفين ولم تؤتِ ثمارها، وأيقن سعد زغلول أن هناك قوة غائبة يمكن أن تغير المعادلة وهى ـ قوة الشعب ـ وأدرك حالة الغضب التي تكمن في نفوس المصريين بسبب الظلم والقهر الذي أصاب معظم المصريين خاصة بعد الاستيلاء على المحاصيل الزراعية وأملاك بعض الفلاحين بسبب الحرب البريطانية.. وأيقن سعد زغلول وكيل الجمعية التشريعية أن لحظة الصدام قد حانت، فتوجه إلى السير ونجت وبصحبته عبدالعزيز باشا فهمى وعلي باشا شعراوى في 13 نوفمبر 1918 للمطالبة بالسفر إلي مؤتمر فرساي بصفته وكيل الجمعية التشريعية ووكيلا عن الشعب المصري.. ورد السير ونجت أن الجمعية التشريعية تم حلها على اعتبار أن بريطانيا كانت في حالة حرب.

من هنا جاءت فكرة التوكيلات، ودخول الشعب المصري المعادلة السياسية لأول مرة، وتحرك أعضاء الجمعية التشريعية والطلبة والأعيان لجمع التوكيلات، وشهدت كل مديريات القطر المصري حالة حراك كبيرة، وشعر الفلاحون وكل البسطاء من عامة الناس أن لهم دورًا في شئون الوطن ووصل عدد التوكيلات في أسابيع قليلة إلى ثلاثة ملايين توكيل.. الأمر الذي أصاب الحكومة البريطانية بالهلع وأصدرت توجيهاتها إلى وزارة الداخلية بمصادرة هذه التوكيلات، ولم تجد بديلاً عن نفى سعد زغلول ورفاقه إلى خارج مصر لوقف التفاف المصريين حوله، لتنفجر في اليوم التالي مباشرة شرارة الثورة الكبرى.

مؤكد أن ثورة 19 لم تقف عند مواجهة الاستعمار وجلاء الاحتلال عن مصر.. وإنما كانت إعادة إحياء مشروع النهضة الذي بدأه محمد على في 1805 وأجهضته أوروبا، وكانت عبقرية سعد في اعتماده على الشعب المصري كركيزة للانطلاق في شتى الاتجاهات بدءًا من وحدة الشعب وإعلاء شعارات ـ الدين لله والوطن للجميع، وعاش الهلال مع الصليب، ونموت نموت وتحيا مصر ـ ثم دخول المرأة المصرية المعادلة السياسية والاجتماعية، وتحريرها من كل القيود، والانطلاق نحو المشاركة المجتمعية وحصولها على كافة حقوقها وشكلت إضافة هائلة للمجتمع المصري.

وبالتوازي مع التهاب المشاعر الوطنية وانصهار الشعب المصري في وحدة شاملة جاءت فكرة طلعت باشا حرب لتأسيس اقتصاد وطني وعزز مشروعه نداء سعد زغلول لأثرياء وتجار مصر بسحب أموالهم من البنوك الانجليزية لصالح بنك مصر عام 1920 ويصبح قاعدة لبناء اقتصاد مصري ينمو بشكل فاق كل التوقعات واحتلت مصر صدارة العالم من الغطاء الذهبي حتى عام 1948، وكان حصول مصر على استقلالها عام 1922 مقدمة لوضع دستور 1923 الذي جاء لترسيخ قواعد الدولة المدنية الحديثة، وبعده جاءت حكومة الشعب عام 1924 برئاسة سعد زغلول ترسيخًا لسيادة الشعب ولشعار زعيم الأمة « الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة».

نائب رئيس حزب الوفد

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى