منذ عدة أيام أعلنت الخطوط الجوية البريطانية ـ بالبا ـ تعليق رحلاتها إلي مطار القاهرة لمدة أسبوع، بزعم أنه إجراء احترازي لإجراء مزيد من التقييم الأمني للمطارات التي تصلها طائرات الشركة، محذرة من عدم السماح بتسيير طائراتها ما لم يكن ذلك آمناً.. إلي هنا انتهي بيان الشركة وقرارها الذي أحدث صدى دولياً كبيراً، وخاصة بين شركات الطيران العالمية، علي اعتبار أن هذه الشركة من الشركات الكبرى.. والأهم أنها شركة بريطانية، أي لها علاقة مباشرة بالأجهزة البريطانية ولا يمكن أن تقبل علي مثل هذا الإجراء إلا بناء علي معلومات وبتوجيهات مباشرة.
المؤكد أن صدي البيان والقرار الذي صدر آثار مخاوف باقي الشركات الكبرى مثل لوفتهانزا الألمانية وغيرها.. وسارع المسئولون المصريون لاستبيان الأمر الذي مس سمعة الدولة المصرية، وهدد مصالحها القومية والاقتصادية مثل حركة السياحة والاستثمار وغيرها.. وكالعادة تنصلت الدولة البريطانية الرسمية ممثلة في سفيرها بالقاهرة جيفري آدمز، من قرار الشركة خلال لقائه مع وزير الطيران المدني المصري الفريق يونس المصري، وقدم اعتذار بلاده عن عدم إبلاغ السلطات المصرية بهذا القرار قبل صدوره، مدعياً أن الشركة تقوم بهذا الإجراء بشكل دوري في كل دول العالم، ولا يتعلق بالتدابير الأمنية للمطارات المصرية، خاصة بعد تطوير المنظومة الأمنية لجميع المطارات المصرية، وذلك بشهادة لجان المرور الدولية ومن بينهم لجنة المرور البريطانية.. ومع أن اعتذار السفير البريطاني وتصريحاته جاءت في اليوم التالي للأزمة، إلا أنه لم يغير من الأمر شيئاً سواء بتراجع الشركة عن قرارها أو في وسائل الإعلام البريطانية مثل رويترز أو BBC وغيرها من وسائل الإعلام العالمية التي استمرت في تناول الأزمة علي أنها احتراز أمني وهنا يكمن بيت القصيد وهدف بريطانيا من صناعة الأزمة.
الحقيقة أن بريطانيا تواجه في اللحظة الآنية أزمتين في غاية الأهمية.. الأولي تتمثل في الصفعة الإيرانية لها بالخليج العربي بعد احتجاز ناقلة نفط بريطانية عنوة والاستيلاء عليها في وجود فرقاطة حربية بريطانية، ولم تستطع حمايتها في مواجهة الحرس الثوري الإيراني.
أما الأزمة الثانية والتي ترتبط بشكل مباشر مع قرار الشركة ـ المشبوه ـ تجاه مصر فهي بسبب قرار رابطة طياري الخطوط الجوية البريطانية بالإضراب عن العمل بسبب الأجور ورفض الطيارون قرار الشركة زيادة الأجور بنسبة 11٫5٪ علي مدار ثلاث سنوات، وصوت 93٪ من أعضاء الرابطة علي البدء التدريجي في الإضراب عن العمل إلي حد أن الشركة لجأت إلي المحكمة العليا البريطانية لإلغاء الإضراب حتى لا تتوقف خطوط الشركة بكامل قوتها عن العمل في معظم دول العالم طبقاً لما أوردته هيئة الإذاعة البريطانية BBC في تقرير شامل عن أزمة رابطة طياري الخطوط الجوية البريطانية.
إذن المملكة المتحدة أو بريطانيا تتعرض لأزمات متلاحقة منذ قرار انفصالها سياسياً عن الاتحاد الأوروبي، ولا تجد ضالتها وخلاصها من أزماتها إلا في منطقة الشرق الأوسط والدول العربية تحديداً.. وأمامنا الآن موقفها الشاذ والمتآمر علي الدولة الليبية والجيش الوطني الليبي لحساب الجماعات الإرهابية التي تسيطر علي بعض المواقع في ليبيا، ومع أن بريطانيا فشلت أكثر من مرة في تمرير مشروعاتها المشبوهة في مجلس الأمن الدولي حول ليبيا، إلا أنها ما زالت عند موقفها الشاذ بحثاً عن موضع قدم لها في ليبيا، والحصول علي جزء من الثروة البترولية في تحد سافر لكل الأعراف والمواثيق الدولية وكل القيم الإنسانية.
للأسف بريطانيا وريثة الإمبراطورية العظمي التي قامت ونشأت علي استعمار واحتلال الدول وإبادة شعوبها ونهب وسرقة ثرواتها لعقود طويلة وارتكاب أبشع المجازر في سبيل تحقيق أهدافها.. ثم إنشاء الكيان الصهيوني علي أرض فلسطين.. وتكوين وإنشاء كيانات إرهابية ودعمها في قلب الدول العربية بهدف إفشالها من الداخل.. ما زالت تعيش علي نفس السياسة والنهج في صناعة الأزمات بدلاً من أن تقدم اعتذارها وتكفر عن كل خطاياها وجرائمها في الدول العربية وغيرها من دول العالم، وتتبع نفس السياسة وإن كانت بإستراتيجية جديدة وبنظام حروب الجيل الرابع والخامس، اعتمادا علي خبرة أجهزتها وبالتعاون مع أجهزة أخري لها نفس الأهداف إلى حد أنه لا تكاد تمر أزمة إلا وبها الأصابع البريطانية.. ولن تتوقف بريطانيا عن جرائمها إلا بمقاضاتها أمام المحاكم الدولية عن كل جرائمها لفترات الاحتلال والاستعمار ومطالبتها باسترداد الثروات والديون التي سلبتها، خاصة أن هناك الكثير من الوثائق التي تم الكشف عنها وتثبت الجرائم البريطانية وحقوق الدول المشروعة في استعادة ثرواتها.
نائب رئيس الوفد