برغم حفاظها على مركز الصدارة اقتصادياً وعسكرياً منذ الحرب العالمية الثانية حتى الآن.. وبرغم ريادتها وتقدمها العلمي والتكنولوجي وتبنيها لقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية والحريات العامة وغيرها من الشعارات والأفكار التي هيمنت بها على العالم.. تبقى الولايات المتحدة الأمريكية أسيرة العنصرية والعنف الداخلي في مجتمعها المتعدد الأعراق.
وتأتى قضية مقتل جورج فلويد منذ حوالى عشرة أيام، واندلاع المظاهرات في أكثر من 80 مدينة أمريكية، لتكشف من جديد عن أخطر نقاط الضعف في الولايات المتحدة وهى هشاشة نسيجها الاجتماعي بعد أن تجذر فيه العنف والعنصرية بشكل لافت، وبات التفاوت الطبقي بين أفراده حقيقة كشفتها الانتخابات الأمريكية الأخيرة عندما انحاز أصحاب البشرة البيضاء من الأصول الأوروبية إلى ترامب.
ودخلت العنصرية بوضوح في هذه الانتخابات والأسوأ أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثار جدلا كبيرا منذ حوالى عام عندما أدلى بتصريحات وصفت بالعنصرية والتعصب عندما طالب بعودة بعض نائبات الكونجرس الملونين إلى موطنهم الذي جئن منه، وكان يقصد 4 نائبات من الحزب الديمقراطي يرفضن إعادة انتخابه لولاية ثانية.
إذا كانت الولايات المتحدة قادت العالم في اتجاهات كثيرة.. إلا أنه يبقى تفردها في مجال السينما والإعلام لعقود طويلة بقصد الهيمنة على العالم ثقافياً وفكرياً، وكانت بالفعل السينما والإعلام أحد أهم أسلحة القوة الناعمة الفاعلة لها وباتت هوليوود ذراعها الطولي حول العالم في نشر الثقافة والأفكار الأمريكية المغلفة بقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وفى فحواها صناعة هالة للقوة والقدرة العسكرية الأمريكية.
وفى هذا الإطار نسجت الأفلام الأمريكية الخيال حول أفراد الجيش الأمريكي بما تضمه من مشاهد عنف شديد اتسمت به كثير من الأفلام والدراما الأمريكية، وهو ما انعكس على الواقع الأمريكي، وأصبحت حوادث العنف في المجتمع الأمريكي ظاهرة في المدارس والجامعات والتجمعات إلى حد اضطر المشرع الأمريكي لإعادة النظر في حرية حمل السلاح، كما امتدت الظاهرة داخل الشرطة الأمريكية ورأينا كثيراً من مشاهد العنف في تعاملاتها مع بعض المواطنين وخاصة أصحاب البشرة السوداء.
هذا العنف الذى بدا واضحاً في قضية جورج فلويد منذ الوهلة الأولى، عندما ذهب إلى أحد المطاعم بمدينة مينا بولس بولاية مينيسوتا التي يعيش بها لتناول وجبة، وبعد دفع الحساب شك المحاسب في عشرين دولاراً أنها مزورة واستدعى الشرطة، ولم يهرب فلويد أو يتشاجر، وإنما انتظر بجوار سيارته وبعد حضور سيارة الشرطة نزل منها 4 أفراد، ولمجرد أن فلويد كان ذا بشرة سوداء تم وضع القيود في يديه واقتياده إلى سيارة الشرطة، وسجلت كاميرات المراقبة التعامل معه بعنف شديد.
وبعد سقوطه على الأرض، قام أحد الضباط بالضغط على عنقه بركبتيه بصورة استعراضية على غرار الأفلام الأمريكية في مشهد استفز المارة الذين صوروا وسجلوا استغاثات وصرخات فلويد وهو ينزف وتوسلاته للضابط بأنه لا يستطيع التنفس.. وفى هذه اللحظات العصيبة التي استشعر فيها فلويد أنه يحتضر، وانشغال الضابط الأمريكي في المشهد الاستعراضي ردد فلويد اسمه عدة مرات ولفظ أنفاسه الأخيرة قبل أن تحمله سيارة الإسعاف.
وتبدأ تداعيات مقتل فلويد تتوالى في كل أنحاء الولايات المتحدة والعالم وتعود مرة أخرى قضية اضطهاد السود إلى صدارة المشهد الأمريكي والعالمي لتزاحم أخبار كورونا.. ومع أن الإعلام الأمريكي يتمتع بحرية إلا أنه يبقى أسير ولاءاته وتوجهاته، وحاول فريق منه في بداية الأمر تصوير عملية القتل على أنها وفاة بسبب مشكلات صحية لدى القتيل.. إلا أن الطب الشرعي وصور الفيديو أكدت مقتله بسبب اختناق في التنفس.
وينتفض الشارع الأمريكي، وتعلن حركة «أنتيفا» المناهضة للفاشية والعنصرية والتمييز النفير حول العالم وفى داخل الولايات المتحدة، ورغم نزول الحرس الوطني وبعض وحدات القوات المسلحة والقوات الفيدرالية إلا أن المظاهرات والاحتجاجات استمرت بصورة بها عنف رداً على عنف الشرطة وموقف الرئيس ترامب، وفى اعتقادي أن هذه القضية سوف يكون لها تأثير مباشر على الانتخابات الأمريكية القادمة.
من هنا علينا أن نستخلص العبر والنتائج، ونعى أهمية التماسك الاجتماعي والوعى المجتمعي بين كل طوائف الشعب المصري، ونعى أكثر أسباب ودوافع بعض الدول المارقة في تمويل ودعم قنوات فضائية ومواقع إخبارية وميليشيات وجماعات لبث سمومها وخلق الشائعات وصناعة الإحباط في المجتمع المصري وإحداث الفرقة بين شرائحه، وهو ما اعترفت به تفصيلياً آخر خلية تم ضبطها قبل أسبوعين من خلال أجهزة وزارة الداخلية.
حمى الله مصر من كل سوء.
نائب رئيس الوفد
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار العربية والدولية